بعد سيطرة الجيش السوري على بلدة خان شيخون وتهديده للوجود العسكري التركي في محيط إدلب، وصل رجب طيب أردوغان إلى موسكو في السابع والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، من أجل محاولة السيطرة على الوضع الميداني في إدلب. فروسيا قامت بدعم قوات الجيش السوري بشكل كبير سواء على المستوى العسكري أو على المستوى الدبلوماسي والإعلامي. وبالطبع هذا التطور في الموقف الروسي تجاه شريكها الإستراتيجي “أردوغان” جاء كرد على الإتفاق التركي-الأميركي بشأن إنشاء منطقة آمنة في شرق الفرات. وكنتيجة لهذه الزيارة الخاطفة تم الإتفاق على وقف الأعمال القتالية في مناطق إدلب.
رسالة مزدوجة
من هنا، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف منطقة خفض التصعيد في يوم 31 أغسطس/ آب الفائت (2019)، وهو نفس اليوم الذي أوقفت فيه العمليات القتالية طبقا للإتفاق الروسي-التركي، وذلك طبقا لوكالة سبوتنيك الروسية.
فقد شنت الولايات المتحدة هذه الغارة الجوية على منطقة خفض التصعيد في إدلب السورية، دون تحذير مسبق لكل من روسيا وتركيا. أرادت واشنطن هنا، فقط إظهار مبدأ أنها هي الطرف الرئيسي في الأزمة السورية وأنها تستطيع القيام بأي إجراء تريده، بالإضافة وهذا الأهم هو إيصال رسالة لكل من موسكو ودمشق بأن الولايات المتحدة لن تسمح بتقدم الجيش السوري إلى الشمال، لأن هذا يعني تحرير مدينة عفرين، مما سيكون له أثر سلبي واضح على خطط واشنطن فيما يخص الكرد.
ورقة واشنطن الرابحة!
تتلاقى بشكل واضح المصالح الأمريكية-التركية في محيط إدلب، فلا أنقرة ولا واشنطن تريدان تقدم الجيش السوري شمالا، كما أن الولايات المتحدة تحاول في الفترة الأخيرة جذب تركيا إلى معسكرها في الملف السوري، من أجل كسر المثلث التركي-الروسي-الإيراني وإنهاء ما يسمى تفاهمات أستانا وسوتشي. وإستخدمت واشنطن لكي تصل لهذا الغرض، إتفاق المنطقة الآمنة شرق الفرات، وها هي تستخدم قواتها الجوية لأول مرة منذ حوالي خمس سنوات في منطقة إدلب. الورقة الرابحة المهمة التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا تتمثل في الكرد، وأي إجراءات عسكرية روسية-سورية أو حتى تركية يمكن لها إضاعة هذه الورقة من يديها، ستقف أمامها واشنطن بكل حزم.