دمشق – (رياليست عربي): إذا استذكرنا تاريخياً ولادة القومية الأمريكية أو دولة الولايات المتحدة الأمريكية سنجد تطور منظومة الزراعة ورعاة البقر من حالات التمرد الشعبي على الاستعمار البريطاني إلى القوات الشعبية، إلى الجيش الذي يخوض معاركه وتحالفاته في حروب دامية نحو التحرر.

ميس الكريدي – كاتبة سوريّة – عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المجتمع المدني
ومن ثم حرب توليد المنظومة الأخلاقية المتفق عليها لتبلور قوة الدولة وفلسفة الدولة من خلال حرب أهلية بين الرافضين للتخلي عن نظام العبودية والرافضين للعبودية بغية تشكيل قيم مواطنة قابلة للتعايش وتوحيد القومية الوليدة من خلال دستور يجمع ذلك الشتات القومي على مفاهيم تقبل الدخول في منافسة التطور الحضاري، وتخللتها نظريات فكرية سياسية تبناها آباء مؤسسين في الولايات المتحدة مثل توماس جيفرسون وأبراهام لينكولن وصولاً إلى فرض نفسها في المنظومة العالمية عبر تبني ويلسن وإعلانه المبادئ العامة وبينها حق تقرير المصير للشعوب من الاستعمار الغربي.
وبصرف النظر عن النوايا الاستعمارية التي ظهرت لاحقاً إبان دخول ساحة إعادة اقتسام المستعمرات ولكن كان لابد للدولة حتى تضع لنفسها موطئ قدم عالمي من تبني منظومة قيم وأخلاق وهذا شرط لبناء الإمبراطوريات ليس لأجل الخارج ولكن لأجل داخل الدولة حتى يجد الشعب مجموعة أفكار وقيم تخلق له هوية جمعية قابلة للتحول إلى هوية قومية.
وعندما أتخذت الولايات المتحدة مثال فذلك لأنها دولة ذات قابلية للدراسة بمنأى عن تضارب المعلومات التاريخية فهي دولة ذات تاريخ قصير وسهل الدراسة من النشأة إلى الحاضر.
ورغم تباين الفجوة لناحية المقارنة لكننا ومع الأسف بفعل عوامل متشابكة أسقطنا حالياً منظومة القيم التي تشكلت على أساسها ملامح الدولة كمنظومة مدنية لأن الدولة في سورية ولدت شكلياً عام ١٩١٩ –١٩٢٠، لكنها لم تعبر إلى المدنية بتجاوز الإقطاعيات السياسية على اختلافها سواء ذات الجذر العائلي أو العشائري أو الإثني إلا من خلال ثورة البعث عام ١٩٦٣ وما يجعلني أشرع بالكتابة هو أننا نشهد عملية اجتثاث محلية لقيم البعث (ولا نتحدث هنا عن الوجود السياسي للحزب وإنما عن منظومة قيمه التي ارتبطت بالدولة وعوامل تطورها وثباتها)، قد تكون عملية الاجتثاث أو التقليم متوائمة مع متغيرات عالمية لا سبيل لمواجهتها أو محاربتها ضمن متغيرات عالمية كبرى ولكن هذا يعيدنا إلى المقدمة وهي أن لا فراغات في النظام العالمي ولكل منطقة خصوصيتها وتاريخها وجغرافيتها فكيف سيتم ملء الفراغ لدينا ؟!
أعتقد أن مشاريع كثيرة حولنا تنتج منظوماتها القيمية، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تقدم نموذجها الإسلامي، وتركيا تقدم تلك الهجونة غير المستقرة بين التتريك والعثمانية والإخوان المسلمين ولمّا تنضج بعد، والمقاومة تقدم منظومة المقاومة الإسلامية الفدائية الطهرانية، والخليج اختار الابراهيمية المتسمة بالتخلي إلى حد ما لتبرئة نفسه من الإسلام الوهابي الذي تقود الولايات المتحدة الحرب عليه ضمن تحالف عالمي، فماذا ستفعل سورية أو ماهي المآلات القابلة للتحقق؟
القصة ليست أمنيات لأن المشاريع تتطلب واقع ديموغرافي واقتصادي وليست مجرد أمزجة تظن نفسها نخبة لأن المشاريع تقوم على الكتل الشعبية وهذا ما يجعلنا نستقرئ القادم بمؤشرين كبيرين هما:
المؤشر الأول: إعلان تلازم العروبة والإسلام وهو ما كان من أمر حزب البعث لكن هذه المرة دون الإعلان عن وجه اقتصادي بينما البعث اختار نهجه الاشتراكي باتساق مع واقع معسكرين أحدهما الاشتراكي القوي وباتساق مع صعود حركات التحرر العربية والمزاج الشعبي العربي الموحد وواقع منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من المفاصل المهمة في ذاك الزمن
فيبدو أن الإفصاح الاقتصادي يتجلى في تحالفات دولية كبرى ضمن العالم المتعدد الأقطاب ولكن وباعتبار الحالة في مرحلة الصراع على البقاء لحد الآن فمن الصعوبة بمكان تحديد الأطر العامة لحركة الاقتصاد المحلي، وبالتالي ما تزال الأمور تدور في فلك إدارة المرحلة.
المؤشر الثاني: هو خطوات الإصلاح الديني الجريئة بغرض تشكيل كتلة مواجهة جديدة تكتب عقداً اجتماعياً قيمياً جديداً عبر تشكيل مجلس فقهي يؤطر الحوار المجتمعي المرشح للانفجار ضمن مشاريع ضغط واستخدام لنسف الوجود السوري سواء بالطائفية أو المناطقية أو تحريك النزعات والإثنيات، ولابد من الإشارة إلى افتتاح جامعة اللاهوت في سورية كمحاولة لمنع الغرب من استمرار الضغط على المسيحيين في الشرق تمهيداً لتفعيل التصفيات الدينية بين الطوائف الإسلامية (مخطط الغرب).
ومن هنا نبدأ برسم المستقبل في الإطار القيمي الذي سيكون ضامنه الإسلام الصحيح ككتلة ديموغرافية واسعة وبالمقابل شيطانه هو الإخوان المسلمين المتسترين بعباءة الدين للهيمنة في أي لحظة سانحة على الدولة، ولذلك قد نشهد ردات فعل وتخوفات بل وتحالفات عن جهل أو عن إرادة وتصميم مع تيار الإخوان، ولكنهم حتماً أي الإخوان المسلمين لا ينتمون بل ويعادون المشروع الذي تعمل الدولة على التلازم معه لتشكيل منظومة قيم وأخلاق تكون أساساً في استقرار البلاد ومشروعيتها السياسية كما سبق وشرحنا في عوامل بقاء واستمرار الدول.
خاص وكالة رياليست – ميس الكريدي – كاتبة سوريّة – عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المجتمع المدني.