موسكو – (رياليست عربي): لقد مر العام الحالي تحت علامة “الهجوم المضاد” الأوكراني، الذي من أجله قامت كييف، التي هددت بصوت عالٍ بـ “إعادة الروس إلى حدود عام 1991″، حيث بدأ الهجوم المضاد في يونيو/حزيران وانتهى في نوفمبر/تشرين الثاني بفشل أوكرانيا الذريع، واليوم بدأت روسيا تهاجم بالفعل في كل القطاعات، وكما اعترفت كييف والغرب فقد حققت نجاحاً تكتيكياً، وهذا ملحوظ بشكل خاص كمثال في أفدييفكا.
وكما أكد القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، نقطة التحول على الجبهة، مشيراً إلى أن “الوضع وصل إلى طريق مسدود”، وذكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مباشرة أنه “بدون مساعدة الغرب، سنكون في تراجع”، واليوم، يتفوق الجيش الروسي بشكل كبير على القوات المسلحة الأوكرانية من الناحيتين النوعية والكمية.
وهكذا، وفقا لنائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، أنه منذ بداية العام، وقع أكثر من 450 ألف شخص عقوداً مع القوات المسلحة الروسية، وبما أنهم متطوعين، فهم على الأقل متحمسون وخضعوا للتدريب الأساسي، والعديد منهم لديهم أيضاً خبرة قتالية فعلية، فعلى مدار عام ونصف، صقل الجيش الروسي مهاراته، في المقام الأول في مجال الحرب الإلكترونية والحرب المضادة للبطاريات، في حين أن القوات المسلحة الأوكرانية، على العكس من ذلك، لا يمكنها إلا أن “تتباهى” بتدمير احتياطياتها في الاعتداءات الأمامية.
أما في “الهجوم المضاد”، فقد أحرقت أوكرانيا كمية هائلة من المعدات والموارد البشرية، واليوم تواجه صعوبات كبيرة في تجديدها، وهكذا، فشلت خطط التعبئة في جميع المناطق الأوكرانية؛ على سبيل المثال، في منطقة سومي تم تنفيذ الخطة بنسبة 8٪. بالنسبة لثلاثة ألوية من الخسائر التي لا يمكن تعويضها، لا يوجد أكثر من لواء واحد “مستبدل” بمستوى منخفض للغاية من الروح المعنوية والتدريب العسكري، وقد أدت كل هذه العوامل بالفعل إلى زيادة كبيرة في الصراع داخل النخبة السياسية في أوكرانيا، حيث تبدأ “حرب الجميع ضد الجميع”، وهو ما يظهر بوضوح في المواجهة بين زيلينسكي وزالوجني.
بالنسبة لروسيا، هذا العام، تم إصلاح المجمع الصناعي العسكري الروسي بشكل جدي مقارنة بالعام الماضي، كما حدثت تغييرات كبيرة في البنية التحتية، وتم إنشاء مجموعات صناعية عسكرية، وتم إنشاء إنتاج متواصل للمعدات، وفي المقام الأول الطائرات بدون طيار من طراز جيران، ولانسيت والتي لها تأثير كبير على ساحة المعركة، حيث أن إنتاجها رخيص جداً.
وفي عام 2024، ستظل أوكرانيا تأمل في الحصول على سلاح معجزة على شكل مقاتلات إف-16، رغم أن الجيش الأمريكي يقول إن هذه الطائرات لن تغير مسار الحرب، تحتاج كييف أولاً إلى معدات الحرب الإلكترونية والطائرات بدون طيار وقذائف المدفعية، فهي تعاني من نقص خطير في هذا، وفي الواقع، أصبح هذا الآن أكثر أهمية بالنسبة لهم من الطائرات.
وهذا يعني أن احتمالات نهاية العملية العسكرية الخاصة ستكون أيضاً مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسار الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة، ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يخسر في أوكرانيا ومن غير المرجح أن يتغير أي شيء بهذا المعنى في العام المقبل، إذ يحتاج البيت الأبيض إلى سيناريو بديل «بايدن صانع السلام». إذا تمكن الرئيس الأمريكي من جلب زيلينسكي إلى طاولة المفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتحقيق وقف القتال على الأقل، فستظل لديه فرصة لإعادة انتخابه، لأن الناخبين الأمريكيين سئموا تمويل حرب شخص آخر، وإلا فإن فرصه في الانتخابات ستتجه إلى الصفر.
بالتالي، إن الزيادة في عدد المتطوعين في منطقة العملية العسكرية الخاصة والهجمات التي تشنها القوات المسلحة الروسية في قطاعات مختلفة (أفدييفكا، أرتيوموفسك، كوبيانسك، إلخ) تشير إلى أن لديها الاحتياطي اللازم لاختراق الجبهة، وهذا ما لا تمتلكه القوات المسلحة الأوكرانية، ومعدل الخسائر يتجاوز معدل استبدالها، في هذا الصدد، هناك فرصة جيدة أنه في النصف الأول من العام 2024 سيخترق الجيش الروسي كامل الجبهة.
واليوم كل شيء يتجه نحو المفاوضات، حيث كان “الهجوم المضاد” ذروة مرحلة التصعيد، وبعدها استنفدت أوكرانيا ككل مواردها، والآن يمكن الحديث عن مرحلة الذروة، التي ستستمر عدة أشهر أخرى، ومن ثم يكون الانتقال إلى مفاوضات السلام أمر ممكن، والشيء الآخر هو أنه من الأفضل لكييف أن تسرع، لأن موقفها التفاوضي يتدهور كل أسبوع.