دمشق – (رياليست عربي): مع سقوط نظام بشار الأسد، ودخول سوريا مرحلة جديدة تحت قيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، تطفو على السطح تساؤلات حاسمة حول مستقبل المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بالصراع المحتمل بين قوتين إقليميتين رئيسيتين هما إسرائيل وتركيا، نظرًا لتأثيرهما على المشهد الجيوسياسي والعسكري، ففي ظل الفراغ السياسي والأمني والاقتصادي الذي خلفه النظام البائد، تتصاعد المخاوف من تحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، حيث تتداخل المصالح وتتشابك الخيوط.
في هذه المقالة، أسعى إلى استكشاف السيناريوهات المحتملة لهذا الصراع، وتحليل الدوافع والمصالح المتضاربة لكل من إسرائيل وتركيا في سوريا ما بعد الأسد، كما سأتناول تأثير هذا الصراع على مستقبل سوريا واستقرار المنطقة بأسرها، وهل ستنجح القيادة الجديدة في سوريا في الحفاظ على سيادة البلاد وتجنب الانزلاق نحو حرب بالوكالة؟ أم أن سوريا ستصبح ساحة لتصادم القوى الإقليمية، مما يزيد من تعقيد المشهد المضطرب بالفعل؟ كما سأتطرق إلى الدور المحتمل للقوى الدولية الأخرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، في هذا الصراع.
إن مستقبل الصراع الإسرائيلي التركي في سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد يطرح قضية معقدة وحساسة تستحق الدراسة المتأنية وتقييم الموقف بشكل متوازن ومستند إلى حقائق المصالح المتضاربة بين الطرفين، فإسرائيل حرصًا منها على أمنها القومي، تركز على منع تحول سوريا إلى قاعدة انطلاق لتهديدات ضدها، سواء من قبل جماعات مسلحة أو دول معادية، كما تسعى إسرائيل إلى إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا بشكل كامل، والذي تعتبره تهديدًا إستراتيجياً لوجودها، بالإضافة إلى ذلك، تحرص إسرائيل على الحفاظ على سيطرتها على مرتفعات الجولان، وقد تسعى إلى توسيع نفوذها في المناطق المجاورة لتحقيق مطامعها التاريخية، أما تركيا فهي تسعى أيضًا إلى حفظ أمنها القومي من خلال منع قيام كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، ولهذا تخشى من تنامي نفوذ الجماعات الكردية المسلحة، كما تسعى تركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي، ومن بين الوسائل التي تستخدمها لتحقيق هذا الهدف التدخلات العسكرية حيث شاركت تركيا في عمليات عسكرية في شمال سوريا بهدف مُعلن هو محاربة التنظيمات الكردية المسلحة التي تعتبرها تهديدًا لأمنها القومي، كما تدخلت تركيا في ليبيا وقدمت دعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الوطني، ودعمت أذربيجان في حربها مع أرمينيا، كما حافظت تركيا على علاقاتها مع الجماعات السورية العسكرية المعارضة، وتسعى إلى دعمها في تشكيل مستقبل سوريا، وتعتبر تركيا هذه الجماعات حليفة لها في المنطقة، وتسعى من خلال علاقتها بأحمد الشرع وهيئة تحرير الشام إلى شرعنة وجودها من خلال عقد اتفاقية دفاع مشترك تتيح لها إقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية، بالإضافة إلى التدخلات العسكرية تسعى تركيا لتعزيز نفوذها من خلال القوة الناعمة، من خلال نشر الثقافة التركية والمسلسلات التركية وقضايا أخرى كالجمعيات الخيرية واستقطاب طلاب الجامعات والتوغل في النسيج الاجتماعي السوري من خلال السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية، بالإضافة إلى ذلك كله تحالفها مع أحزاب الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين، باختصار إن أهداف تركيا من تعزيز نفوذها الإقليمي هي حماية الأمن القومي التركي وتعزيز المصالح الاقتصادية التركية وزيادة النفوذ السياسي التركي في المنطقة والحفاظ على وحدة أراضيها ومنع قيام دويلة كردية على حدودها الجنوبية، وتسعى من خلال هذا إلى تقديم نفسها كقائد للعالم الإسلامي السني.
في ظل تشابك المصالح بين إسرائيل وتركيا وتعقيد المشهد في سوريا، يمكن أن نضع عدة سيناريوهات محتملة للصراع بين إسرائيل وتركيا في سوريا، إذ يمكن أن يتصاعد التوتر بين البلدين إلى صراع مباشر، خاصة إذا تصادمت مصالحهما في مناطق معينة من سوريا، وقد تدعم كل من إسرائيل وتركيا جماعات مسلحة متنافسة في سوريا، مما يؤدي إلى حرب بالوكالة بينهما، وقد يؤدي الصراع المباشر أو غير المباشر بين الدولتين في ظل ضعف السلطة الحاكمة في دمشق إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ بين القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك إسرائيل وتركيا، أما السيناريو الأرجح يمكن أن يتحقق عندما تجد إسرائيل وتركيا مجالات للتعاون المحدود في سوريا، مثل مكافحة الإرهاب أو منع انتشار الأسلحة داخل الأراضي السورية، وخاصة في المنطقة الجنوبية القريبة من الجولان المحتل.
لا شك أن هناك عوامل يمكن أن تؤثر على كل هذه السيناريوهات، من أهمها روسيا التي تلعب دورًا في الوساطة بين الأطراف المتنازعة في سوريا، ويمكن أن تؤثر على العلاقات بين إسرائيل وتركيا، ولروسيا علاقات متداخلة ومعقدة مع كل من تركيا وإسرائيل، فهي تحاول أن تحافظ على علاقات متوازنة مع كلتاهما، لكن أي تصعيد بين إسرائيل وتركيا يمكن أن يؤدي إلى تدخل روسي، مما يزيد من تعقيد الوضع خاصة أن روسيا تحاول العمل على عدم استقرار الوضع في سوريا بُعيد سقوط حليفها الأقوى في المنطقة بشار الأسد، كما يمكن أن يؤثر الدور الأمريكي في المنطقة على توازن القوى بين إسرائيل وتركيا، فالتواجد العسكري للولايات المتحدة في شمال شرق سوريا ودعمها لقوات سوريا الديمقراطية يمكن أن يؤثر على توازن القوى بين إسرائيل وتركيا بالطبع لصالح إسرائيل الحليف الأقوى لامريكا، إن العلاقات الأمريكية التركية يشوبها التوتر في بعض الأحيان وهذا سيؤثر على توازن القوى على الرغم من محاولة الولايات المتحدة الحفاظ على استقرار الوضع في المنطقة وتجنب أي تصعيد إقليمي.
إن الصراع السوري الداخلي معقد ومتداخل، إذ يشارك في الصراع أطراف متعددة، أهمها قوات سوريا الديمقراطية وجزء من المكون الدرزي في السويداء وحول دمشق وفلول النظام البائد المنتشرة على مساحات واسعة في الساحل وحمص وحول دمشق، ناهيك عن فصائل الجيش الوطني التي على الرغم من انضوائها تحت راية وِزَارَة الدفاع الجديدة إلا أنها لا تزال مستقلة في قرارها ولم تسلم سلاحها للدولة السورية الجديدة، وفي ظل كل هذه الظروف المعقدة أي تغيير في ميزان القوى بين هذه الأطراف يمكن أن يؤثر على العلاقات الإسرائيلية التركية بسبب ارتباط بعض هذه الفصائل بالدولة التركية والبعض الآخر بإسرائيل، وأي تطور فيه قد يؤثر على جميع القوى الإقليمية، كما أن تدهور الوضع الإنساني في سوريا يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات الإقليمية مما يؤثر على العلاقات الإسرائيلية التركية، ولهذا من المهم مراقبة التطورات في سوريا وتقييم تأثيرها على العلاقات الإسرائيلية التركية، إن ديناميات الصراع السوري الداخلي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على طبيعة الصراع الإسرائيلي التركي من خلال تداخل المصالح، ولكل من إسرائيل وتركيا مصالح إستراتيجية في سوريا، تتضمن الأمن القومي، ومكافحة الإرهاب، والهيمنة الاقتصادية، والنفوذ الإقليمي، وأي تغيير في ديناميات الصراع السوري يمكن أن يؤدي إلى تضارب هذه المصالح، مما يزيد من احتمالية التصعيد بين البلدين، وتعتبر الحدود السورية القريبة من إسرائيل وتركيا نقطة اشتعال محتملة، وأي تصعيد عسكري في هذه المناطق يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين. كما أن التدخلات الخارجية من خلال وجود قوى إقليمية ودولية متعددة في سوريا يزيد من تعقيد الوضع، وأي تصعيد بين إسرائيل وتركيا يمكن أن يجذب قوى أخرى إلى الصراع، مما يزيد من خطورة الوضع.
الخاتمة:
في الختام يظل الصراع الإسرائيلي التركي في سوريا معقدًا ومتعدد الأوجه، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية وتتشابك بشكل يصعب التنبؤ بمآلاته، وعلى الرغم من وجود بعض أوجه التعاون التكتيكي بين الجانبين، إلا أن التنافس الإستراتيجي يظل هو السمة الأبرز، خاصة في ظل سعي كل منهما إلى تعزيز نفوذه ومكانته في المنطقة، ومن الواضح أن مستقبل هذا الصراع سيتأثر بالعديد من العوامل المتغيرة، بما في ذلك التطورات الميدانية في سوريا، والتحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى طبيعة العلاقات بين إسرائيل وتركيا، ولذلك فإن أي محاولة للتنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية يجب أن تأخذ في الاعتبار هذه العوامل المتغيرة والمعقدة، وفي ظل هذه المعطيات، يمكن القول إن الصراع الإسرائيلي التركي في سوريا سيظل مصدرًا للتوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وسيتطلب من جميع الأطراف المعنية بذل جهود دبلوماسية مكثفة لتجنب التصعيد والوصول إلى حلول سلمية تضمن تحقيق المصالح المشروعة لجميع الأطراف.
خاص وكالة رياليست – خالد المطلق كاتب وباحث في الشؤون العسكرية والأمنية والإرهاب، عقيد ركن سابق في الجيش السوري، يحمل الماجستير في العلوم العسكرية، كتب في العديد من مراكز الدراسات والمواقع الالكترونية والصحف العربية، له كتاب “الإرهاب في مملكة الرعب”.