بغداد – (رياليست عربي): تصاعدت التوترات في الساحل السوري خلال الأيام الأخيرة حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق وأسفرت المواجهات عن سقوط عشرات القتلى والجرحى في مشهد يعكس حالة الانقسام العميق داخل البلاد وتأتي هذه الأحداث في سياق متغيرات سياسية وأمنية معقدة مما يطرح تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في هذه المنطقة التي كانت تعتبر معقلًا تقليديًا للنظام السوري
في مدن اللاذقية وطرطوس ازدادت حدة الاشتباكات التي اندلعت بين قوات الأمن وعناصر كانت في السابق جزءًا من الفصائل الموالية للنظام وتشير التقارير إلى أن بعض هذه المجموعات تضم ضباطًا وعناصر أمنية سابقة فقدت امتيازاتها مع التغيرات السياسية الأخيرة مما دفعها إلى التحرك ضد السلطة الحاكمة الحالية وهذا الانقسام الداخلي يعكس مدى تفكك الولاءات داخل المنظومة الأمنية والسياسية السورية بعد سنوات من الحرب
إحدى أبرز المخاوف التي ترافق هذه الأحداث هي تصاعد العنف الطائفي حيث أشارت مصادر إلى وقوع عمليات قتل على الهوية في بعض المناطق ووفقًا للتقارير فإن قوات الأمن نفذت عمليات إعدام جماعية استهدفت مدنيين في محافظة اللاذقية بينما قامت مجموعات مسلحة أخرى بمهاجمة قرى موالية للحكومة مما يثير تساؤلات حول إمكانية اندلاع موجة جديدة من الصراع الطائفي الذي قد يمتد إلى مناطق أخرى من البلاد
لا يمكن فصل ما يحدث في الساحل السوري عن العوامل الإقليمية والدولية حيث تسعى بعض القوى الخارجية إلى استغلال هذه الانقسامات لتعزيز نفوذها في سوريا فمع استمرار الصراع على النفوذ بين القوى الدولية والإقليمية تصبح هذه المناطق ساحة لتصفية الحسابات السياسية مما يفاقم الأوضاع الأمنية ويجعل الحلول أكثر تعقيدًا
أما السيناريوهات المحتملة لما يجري في الساحل السوري فتتراوح بين إعادة فرض السيطرة الأمنية من قبل الحكومة عبر إجراءات صارمة تشمل حملات عسكرية واسعة وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وبين احتمال تصاعد العنف ليصل إلى مرحلة يصعب احتواؤها مما قد يؤدي إلى انفجار الوضع بشكل أكبر أما السيناريو الثالث فهو تدخل دولي أو محاولة لفرض حلول سياسية عبر ضغوط إقليمية ودولية تدفع الأطراف المتصارعة إلى التفاوض بدلًا من الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة
ورغم خطورة هذه السيناريوهات إلا أن هناك احتمالًا أكثر تعقيدًا يتمثل في تحول الصراع إلى حرب طائفية طويلة الأمد تمتد لسنوات حيث يؤدي التراكم المستمر للعنف والاستهداف المتبادل إلى إذكاء الأحقاد الطائفية بين المكونات المختلفة ما يجعل إمكانية المصالحة أكثر صعوبة وقد يتحول الساحل السوري إلى نموذج مشابه للحروب الطائفية التي شهدتها مناطق أخرى في الشرق الأوسط حيث يصبح العنف دوريًا ومتجدداً ولا تقتصر تداعياته على الجانب الأمني فقط بل تمتد إلى التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة
تمثل هذه التطورات تحديًا خطيرًا للاستقرار في سوريا وتفتح الباب أمام احتمالات قد تؤدي إلى تداعيات كارثية على المدى الطويل إذ بات من الواضح أن الانقسامات الداخلية والمواجهات العسكرية والاضطرابات الأمنية تجعل الساحل السوري اليوم في مفترق طرق فإما أن تتمكن الحكومة من احتواء هذه الفوضى عبر سياسات أمنية وسياسية ناجعة أو أن تنجر البلاد إلى مرحلة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار وربما إلى حرب طائفية مفتوحة قد يكون من الصعب إيقافها
لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هو هل بات الساحل السوري بؤرة لصراع طويل الأمد يتجاوز حدود سوريا ليصبح جزءًا من إعادة تشكيل المنطقة بأكملها أم أن هناك فرصة أخيرة لاحتواء الأزمة قبل فوات الأوان؟
خاص وكالة رياليست – كاتب وباحث ومحلل سياسي – عبدالله الصالح – العراق.