مر ثمانون عام على حرب الشتاء. هذه الحرب بدأت في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1939، ببدء الأعمال العدائية من جانب الاتحاد السوفيتي على برزخ الكاريلي. فإختلاف الآراء حول الحرب السوفيتية – الفنلندية حتى هذا الوقت مستمرة، فموقف المؤرخين الروس المشوّش لم يسمح بالتوصل إلى رأي مشترك حول هذه الحرب، بعكس موقف المؤرخين الفنلنديين الذي يقول إن الاتحاد السوفيتي هو المسؤول عن إندلاع هذه الحرب. فلو خرج مؤرخ فنلندي وقال عكس ذلك، ستطاله إدانات وعقوبات.
تجدر الملاحظة إلى أنه وقبل شهر من الذكرى الـ 80 للحرب، ركزت جميع وسائل الإعلام الفنلندية على شبكة الإنترنت، ووسائل الإعلام المطبوعة، على نشر مقالات متنوعة، وضعت فيها المسؤولية الكاملة للحرب السوفيتية – الفنلندية على الجانب السوفيتي، فلقد نشرت مجلة إم تي في أوتيست الفنلندية مقالة بعنوان “80 عاماً” على قصف الاتحاد السوفيتي للتجمعات السكانية- الإتحاد السوفيتي هاجم فنلندا من دون إعلان حرب. الافت أن هذا الأمر لم يتوقف على وسائل الإعلام الحكومية فقط، بل الشركات الخاصة أيضا، فقد تبنت نفس الموقف من خلال إصدار عملات معدنية قابلة للتداول طُبع عليها “105 يوماً من المجد”، التسمية جاءت بدعوة من نادي الضباط الاحتياطي الفنلندي على الحرب السوفيتية الفنلندية.
ظلت العلاقة بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا متوترة بعد عام 1917، ففي الحرب الأهلية الفنلندية اللاحقة، و التي تم فيها ذبح الروس الذين يعيشون في فنلندا بعد إنتصار القوميين، فأفكار السياسيين الفنلنديين ظلت مستمرة في عدائها للسوفييت، كـ “كارل غوستاف إميل مانرهايم”، و ضد التواجد السوفيتي في برزخ الكاريلي.
و لا أعلم لماذا ننسى” يمين السيف” و ننسى الحرب السوفيتية-الفنلندية الثانية 1921- 1922 و التي إندلعت بسبب الرغبة في إنشاء فنلندا الكبرى. ويجدر بنا أن نتذكر متى تم إنشاء “خط مانرهايم” خط الدفاع الفنلندي، فكان قد وصل الوضع إلى ذروته، إذ سارعت فنلندا ببناء التحصينات والطرق في المناطق الحدودية، هذا الأمر كان السوفييت على دراية به، وتحديدا جهاز المخابرات السوفيتية في صيف عام 1939، بتوثيق من قائد قوات منطقة لينينغراد العسكرية كيريل ميريتسكوف، فلقد كانوا حذرين إزاء المشاعر المعادية لهم من قبل الفنلنديين.
بالنسبة للاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، كان من المهم حماية الحدود السوفيتية-الفنلندية من لينينغراد، والتي كانت فقط 32 كيلومترا. حيث لم تسفر المفاوضات التي بدأت في العام 1938 عن نتائج بشأن هذه المسألة، وعلى الرغم من ذلك، كان الاتحاد آنذاك مستعد للذهاب إلى تبادل الأقاليم، حيث كان على إستعداد أن يسلم فنلندا ضعف مساحة الإقليم في برزخ الكاريلي، ثم يلي ذلك إبرام معاهدة بشأن المساعدة المتبادلة. لكن فنلندا رفضت جميع المقترحات. تجدر الإشارة إلى أن القيادة السوفيتية أوكلت المفاوضات إلى الدبلوماسي بوريس ريبكين، الذي حاول التوصل إلى حل وسط، لكن مشاعر الكره الفنلندية تجاه الإتحاد أفشلت هذا المسعى.
لم تكن نتيجة حرب الشتاء فقط توسعة الاتحاد السوفيتي لحدوده، و ضم أيضا أكثر من 34 ألف كم مربع إلى أراضيها، لكن بمقابل ذلك حدثت تغيرات خطيرة أثرت على الجيش والأفراد والتكتيكات المتبعة من قبل الجيش السوفيتي.
فلقد إعتمد الجيش السوفيتي تقنيات المخربين الفنلنديين في مرحلة لاحقة، بتجربة دبابات (دبابة كليمنت فوروشيلوف) في الحرب أدى إلى إدخال تعديلات على مدفع الدبابة، الأمر الذي أدى إلى تصنيع جيل ثان من هذه الدبابات أكثر حداثة “كي في2”. تم استخدام كوكتيل مولوتوف من قبل الفنلنديين في حرب الشتاء. بعد ذلك ، استخدمت القوات السوفيتية الخليط الحارق خلال سنوات الحرب الوطنية العظمى.
يضاف إلى ذلك، تحسين تدريب القادة على المستويين المتوسط والصغير، خاصة مسألة إكتشاف الألغام وإبطالها. وتطوير رشاش دكتريوف وإضافة قاعدة له، وخبرة في إقتحام المناطق المحصنة وفتح ثغرات فيها. و أيضا تم تشكيل قوات عسكرية تتزحلق على الجليد.
من هنا، لقد أدت تجربة حرب الشتاء إلى اكتساب خبرة كبيرة في المرحلة الأولى من الحرب الوطنية العظمى(الحرب العالمية الثانية)، لكن للأسف إكتسبت هذه الخبرة مقابل الكثير من الدماء السوفيتية.
خاص وكالة “رياليست” – ناتاليا إيليسفا عالمة سياسية