موسكو – (رياليست عربي): إن تفاقم الوضع في البحر الأحمر بين الولايات المتحدة وحركة أنصار الله (الحوثيين) الموالية لإيران لا يؤثر فقط على ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بل يؤثر أيضاً على سمعة واشنطن نفسها كمدافع عن الشحن الدولي وقوة مهيمنة في البحر الأحمر، ويقول الخبراء إن نداء البيت الأبيض للصين للمساعدة يشير إلى ارتباك الإدارة الأمريكية.
عواقب التوتر في البحر الأحمر
ومنذ بداية العام الجاري، واصل التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى تبادل الضربات مع حركة أنصار الله الموالية لإيران. وفي 27 يناير/كانون الثاني، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) مرة أخرى عن تدمير الصاروخ في اليمن، وقال التقرير: “اكتشفت القوات الأمريكية صاروخاً في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن وقررت أنه يشكل تهديداً مباشراً للسفن التجارية والبحرية الأمريكية في المنطقة”.
وقال يحيى سريع ممثل الجناح العسكري لأنصار الله، إن الحركة اليمنية هاجمت، قبل يوم واحد، الناقلة البريطانية مارلين لواندا في خليج عدن، كما أشار إلى أن مثل هذه الهجمات ستستمر حتى انتهاء الحرب في قطاع غزة.
من جانبها، أكدت القيادة المركزية الأمريكية أن صاروخا مضادا للسفن أطلقه الحوثيون على ناقلة نفط وصل إلى هدفه، ولم تقع إصابات بين أفراد الطاقم.
وقال زعيم أنصار الله إنه منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عندما بدأ الحوثيون هجماتهم على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، تم استخدام أكثر من 200 طائرة بدون طيار و50 صاروخاً باليستياً وكروز.
بالتالي، يؤثر الوضع على سلاسل الخدمات اللوجستية العالمية: خلال فترة التفاقم، غيرت ما لا يقل عن 2.4 ألف سفينة مساراتها، متجهة إلى أوروبا عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، وفقاً لما ذكرته بوابة كالكاليست الإسرائيلية، وأدى ذلك إلى زيادة مدة نقل البضائع بمقدار 35-49 يومًا، وبالتالي زيادة تكلفتها النهائية بسبب تكاليف الشركات للوقود والتأمين.
سمعة الولايات المتحدة في خطر
وعلى الرغم من الضربات المكثفة للتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى على مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، إلا أن ذلك لم يحقق النتائج المرجوة، على العكس من ذلك، فإن أنصار الله لا تؤدي إلا إلى زيادة درجة التصعيد: إذا كانت الجماعة الموالية لإيران في السابق تهاجم فقط السفن الإسرائيلية أو السفن المتجهة إلى موانئ إسرائيل، فإن السفن البحرية البريطانية والأمريكية أصبحت الآن مستهدفة بصواريخها وطائراتها بدون طيار.
وهكذا تتكبد الإدارة الأميركية خسائر سياسية وسمعية دون أن تحقق أهدافها، وذكرت صحيفة بوليتيكو نقلاً عن مصادر أمريكية أن تكلفة بناء القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول بلغت 1.6 مليار دولار، إلا أن البنتاغون غير قادر على تغطية هذه التكاليف، بسبب مشاكل بين المشرعين في إقرار الموازنة السنوية لوزارة الدفاع، وفي الوقت نفسه، وبسبب النفقات غير المخطط لها، يضطر الجيش إلى سداد نفقاته.
بالإضافة إلى ذلك، لفت الإنفاق غير المتوقع انتباه الكونجرس عندما أدت المناقشات حول طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن توفير أموال إضافية لأوكرانيا وإسرائيل بمبلغ يزيد على 100 مليار دولار إلى خلافات خطيرة بين الديمقراطيين والجمهوريين، وكتبت صحيفة بوليتيكو أن مثل هذه الزيادة في الإنفاق العسكري في المنطقة هي بمثابة دليل على المأزق الذي تواجهه واشنطن في الصراع المتنامي بسرعة في الشرق الأوسط.
كانت لدى إدارة الرئيس الأمريكي آمال كبيرة في حل القضية مع اليمن والتسوية السلمية في الشرق الأوسط، لكن بسبب التفاقم مع الحوثيين، وقعت الولايات المتحدة في الفخ، وضاقت مساحة المناورة بشكل كبير.
بالتالي، سيلعب الحوثيون دور العامل المهيج على خلفية السباق الانتخابي الفعلي في الولايات المتحدة، وفشل استراتيجية الديمقراطيين ضد اليمن سيكلفهم غالياً. الإدارة الحالية منخرطة في العلاج الملطف: تصحيح أعراض المشكلة فقط. ومن أجل تخفيف التوتر في هذه المنطقة، من الضروري حل قضايا الحرب في قطاع غزة، حيث البيت الأبيض ليس فقط عاجزا، بل يأمل في المرور بين سيلا وشاريبديس.
لقد د فشل البيت الأبيض حتى الآن في حماية الشحن في البحر الأحمر. على العكس من ذلك، فإن العسكرة الفعلية للمنطقة تعني أن ما بين 12% إلى 15% من التجارة العالمية التي تمر عبر هذه المياه معرضة للخطر.
وهكذا، أعلنت شركة ميرسك لاين الدنماركية الكبرى لنقل البضائع، في 24 كانون الثاني/يناير، عن وقوع انفجارات بالقرب من سفينتين تابعتين لفرعها الأميركي، جاء ذلك بعد أن تصدت البحرية الأمريكية المرافقة لها لهجوم للحوثيين في مضيق باب المندب. وذكرت شركة ميرسك لاين أن السفن التي تحمل أسلحة أمريكية عادت إلى خليج عدن. ولم يصب أحد خلال الهجوم.
أمريكا تتوسل الصين
حتى أن واشنطن قررت اللجوء إلى مساعدة بكين في حل الوضع في منطقة البحر الأحمر، حسبما كتبت صحيفة فايننشال تايمز. وينبغي الافتراض أن إدارة البيت الأبيض أصبحت مقتنعة أخيرا بأن العدوان على الحوثيين أثبت عدم فعاليته، ولمنع الصراع من الانتشار في الشرق الأوسط، يجدر بنا أن نلجأ إلى القوة الناعمة التي تتمتع بها الصين.
بالتالي، إن إدارة جو بايدن طلبت من بكين حث إيران على الضغط على وكلائها الحوثيين لوقف الهجمات، وعلى مدى الأشهر الماضية، أثار المسؤولون الأميركيون، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، هذا الموضوع مرارا وتكرارا مع نظرائهم الصينيين، لكنهم لم يتلقوا إجابة واضحة.
وأكدت مصادر رويترز أن بكين طلبت من الجانب الإيراني ممارسة النفوذ المناسب، محذرة من أي هجوم على سفنها، واقتصرت وزارة الخارجية الصينية على بيان أشارت فيه إلى أهمية البحر الأحمر كممر نقل دولي ودعت إلى وقف التصعيد في المنطقة.
وعلقت وزارة الخارجية الصينية، على شائعات الضغط على إيران، قائلة إن “الصين تعتبر صديقاً مخلصاً لدول الشرق الأوسط وتهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، فضلاً عن تحقيق التنمية والازدهار المشتركين”.
أما الولايات المتحدة وصلت إلى طريق مسدود: الطلب الموجه للصين للتأثير على الحوثيين عبر طهران يتحدث عن إرباك الإدارة الأمريكية، لقد اعتادوا في واشنطن على فكرة أنهم يسيطرون على كل شيء، لكن هنا الناس الصغار، الذين ليس لديهم ما يخسرونه، لا يطيعون إملاءاتهم، إن الأمريكيين ببساطة في حيرة من أمرهم.
وفي وقت سابق، قال عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد البهيتي، إن السفن الروسية والصينية ليست مهددة بأي شيء من اليمن.