مع اتساع حدة التوتر بين طهران و واشنطن بفعل الضغوط التي تفرضها واشنطن على طهران ضمن سياسة العقوبات، يزداد العناد الإيراني بتخفيض التزامات طهران في الاتفاق النووي، فضلًا عن إعلان إجراء تجارب صاروخية، كان آخرها ما أعلنه قائد الحرس الثوري حسين سلامي عن اختبار صاروخي إيراني جديد بدون إعلان أية تفاصيل أخرى، ما دعا لزيادة التساؤلات عن مدى قدرة هذه المنظومة في مواجهة تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية.
للوقوف حول تفاصيل هذا الموضوع، وإرتداداته على العلاقة بين واشنطن وطهران، في ظل العواصف التي تشوب الملف النووي، وأهمية هذه المنظومة في سياسة الردع الإيرانية، علق لـ”رياليست“، الأستاذ محمد خيري، الباحث في الشؤون الإيرانية من مصر، عن تفاصيل هذا الملف.
تطوير المنظومة الصاروخية الإيرانية
تعتمد البروباغندا الإيرانية العسكرية على استراتيجية “الردع التخيلي”، والمتمثلة في الإعلان من وقت لأخر عن تطوير إيران لمنظومة الصواريخ الباليستية لديها، والتي قد يصل مداها لأكثر من 2000 كيلو متر، وبالتالي أصبحت تلك المنظومة صداعا في رأس واشنطن وأوروبا بالتحديد، وبالتالي شدد الرئيس الأمريكي على ضرورة إدراج المنظومة الصاروخية على رأس جدول المناقشات مع الجانب الإيراني حال الموافقة على التفاوض من أجل أن تتخلى طهران عن طموحاتها في تطوير تلك المنظومة التي تهدد أمن المنطقة.
لكن التقديرات الاستراتيجية تشير إلى أن طهران بفعل العقوبات التي فرضت على النظام الحالي منذ حادث السفارة الأمريكية في إيران 1979 لم تستطع تطوير قدراتها العسكرية، لكنها اعتمدت على ما لديها من إمكانيات عسكرية منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، كما عمدت طهران ما بعد 1979 على تطوير بعض الصواريخ والطائرات العسكرية الأمريكية والصينية والسوفياتية القديمة، وأضفت عليها طابعا إيرانيا وأسماءً ذات طراز فارسي تراوح بين منظومة “فجر” من 1 إلى 5، و”زلزال” من 1 إلى 3، و “فاتح 110″، وشهاب 1 إلى 3، و”قاهر” وغيرها.
تشير التقديرات إلى أن تلك المنظومة التي تعتمد عليها إيران لا يمكن لها أن تكون عامل ضغط قوي على واشنطن وتل أبيب لعدة أسباب، الأول، تواضع المنظومة الصاروخية مقارنة مع أمريكا، إذ تشير كافة التقديرات إلى تطابق النسخ الصاروخية الإيرانية ونظيرتها السوفياتية والصينية القديمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر تعادل صواريخ “زلزال” منظومة سام السوفياتية من طرازSA- 2 SAM 1S، وتعادل صواريخ “ثاقب” منظومة C-801 الصينية، وصواريخ “نور” والمستنسخة من صواريخ “C-802”، كما اعتمدت على الجيل الأول من منظومة صواريخ “سـيلك وورم الصينية”، وأكبر دليل على مسألة استنساخ إيران لمنظومتها التسليحية ما قامت بها في عام 1994 من تصنيع دبابة “ذو الفقار” من قطع الدبابتين الأميركيتين M48، M60.
الثاني، أن إيران ترك جيدا، مدى عدم التكافؤ العسكري مع حجم ما تمتلكه أمريكا من منظومة عسكرية وتكنولوجية هائلة جعلتها تحتل المرتبة الأولى عسكريا، طبقًا للموقع المتخصص في قياس القدرات العسكرية “جلوبال فايرباور”، إلا أن إعلان طهران عن استعدادها للتصعيد العسكري لا يعدو كونه محاولة للحفاظ على ماء الوجه أمام المجتمع الدولي، في الوقت الذي تضغط أوروبا أيضا على إيران لوقف هيمنتها على المنطقة، ووقف تطوير المنظومة الصاروخية الباليستية، فضلًا عن البرنامج النووي الإيراني.
تجنب الحرب الإقليمية
رغم إعلان إيران عن تجارب صاروخية من وقت لآخر إلا أنها لديها النية الحقيقية للجلوس على مائدة التفاوض خشية وقوع حرب إقليمية لا تقوى إيران على مواجهتها في ظل التناغم الدولي ضد المشروع الإيراني، كما تنظر إيران أيضا بحذر تجاه التحركات العسكرية الأمريكية المتصاعدة لأنها تعلم جيدا حجم التناغم الأوروبي والأمريكي في المواقف السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولعل الدرس القديم المتعلق بعمليتي «الرامي الرشيق» و«فرس النبي»، هما الدافع الرئيس في محاولات إيران تجنب التصعيد العسكري المباشر.
في المحصّلة، تدرك إيران جيدا أن حجم النيران الأمريكية يفوق حجم النيران الإيرانية بكثير، ولذلك فإن منظومة إيران التسليحية ليست قادرة على مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية حال أعلنت واشنطن الحرب على طهران وإن كان مستبعدًا إلا أن ما تعلنه طهران من وقت لآخر عن قوتها التسليحية والصاروخية لا يعدو كونه محاولة لمجابهة الولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم، كما تشير التقديرات إلى أنه ومنذ بداية التجارب الصاروخية الإيرانية في فترة الثمانينات إلا أن تلك التجارب لم تشهد نجاحًا ساطعًا على المستوى العسكري بما يمكنها من مجابهة أي نفوذ عسكري مضاد.