دمشق – (رياليست عربي): تعتبر البيانات الكبيرة (Big Data) واحدة من أكثر الاتجاهات تأثيرًا في عصر المعلومات. مع تزايد كمية البيانات التي يتم إنتاجها يوميًا، أصبح من الضروري تحليل هذه البيانات لاستخلاص رؤى قيمة. في سياق تعداد السكان والخدمات، تلعب البيانات الكبيرة دورًا حيويًا في تحسين دقة التعداد وفهم احتياجات المجتمع بشكل أفضل.
تعريف البيانات الكبيرة
البيانات الكبيرة تشير إلى مجموعات ضخمة من البيانات التي تتجاوز القدرة التقليدية لبرامج معالجة البيانات على التعامل معها. تتميز هذه البيانات بثلاثة خصائص رئيسية تُعرف بـ “3Vs”:
1. الحجم (Volume): تشير إلى كمية البيانات الكبيرة.
2. السرعة (Velocity): تعني سرعة تدفق البيانات وتحديثها.
3. التنوع (Variety): تشير إلى تنوع مصادر البيانات (مثل النصوص، الصور، الفيديوهات، وغيرها).
دور البيانات الكبيرة في عملية تعداد السكان
تستخدم البيانات الكبيرة في عملية تعداد السكان بطرق متعددة، مما يعزز دقة النتائج ويساعد في اتخاذ القرارات. إليك بعض الأدوار الرئيسية:
1. تحسين دقة التعداد:
يمكن استخدام البيانات الكبيرة لتقليل الأخطاء في التعداد من خلال دمج بيانات متعددة المصادر. على سبيل المثال، يمكن دمج بيانات من السجلات الحكومية مع بيانات من وسائل التواصل الاجتماعي أو بيانات الهواتف المحمولة لتحديد المناطق السكانية بدقة أكبر.
2. تحديد الاتجاهات السكانية:
تساعد البيانات الكبيرة في تحليل الاتجاهات السكانية مثل الهجرة، النمو السكاني، وتوزيع الفئات العمرية. على سبيل المثال، يمكن استخدام بيانات الهواتف المحمولة لتتبع حركة السكان وفهم كيفية تغير التوزيع السكاني عبر الزمن.
3. توقع الاحتياجات المستقبلية:
من خلال تحليل البيانات الكبيرة، يمكن للحكومات والهيئات المعنية التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية مثل الإسكان، التعليم، والرعاية الصحية. على سبيل المثال، إذا كان هناك زيادة ملحوظة في عدد السكان في منطقة معينة، يمكن للسلطات التخطيط لزيادة عدد المدارس أو المستشفيات في تلك المنطقة.
أهمية البيانات الكبيرة في الخدمات
تساهم البيانات الكبيرة أيضًا في تحسين الخدمات المقدمة للسكان، وهذه بعض الجوانب:
1. تحسين الخدمات العامة:
يمكن استخدام البيانات الكبيرة لتحسين جودة الخدمات العامة من خلال تحليل بيانات الأداء وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين. على سبيل المثال، يمكن تحليل بيانات النقل العامة لتحديد أوقات الذروة وتحسين جداول الحافلات.
2. تخصيص الموارد بشكل أفضل:
تساعد البيانات الكبيرة في تخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية. على سبيل المثال، يمكن استخدام البيانات لتحليل مناطق الفقر وتوجيه الدعم الاجتماعي إلى تلك المناطق.
3. تحليل رضا المواطنين:
يمكن جمع بيانات من استبيانات وآراء المواطنين عبر الإنترنت لتحليل مستوى رضاهم عن الخدمات المختلفة. هذه المعلومات يمكن أن تساعد في تحسين الخدمات وتلبية احتياجات المجتمع بشكل أفضل.
وسنورد هنا بعض الأمثلة العملية والتطبيقية:
1. تعداد السكان في الهند:
استخدمت الحكومة الهندية البيانات الكبيرة في تعداد السكان لعام 2011 من خلال دمج البيانات من السجلات الحكومية، البيانات السكانية، وبيانات الهواتف المحمولة. هذا ساعد في تحسين دقة التعداد وتحديد المناطق ذات الاحتياجات الخاصة.
2. مدينة نيويورك:
استخدمت مدينة نيويورك البيانات الكبيرة لتحليل حركة المرور، مما ساعد في تحسين جداول النقل العام وتخفيف الازدحام. تم تحليل بيانات من كاميرات المراقبة ومستشعرات الحركة لتحسين تدفق المرور.
3. الصحة العامة:
خلال جائحة كوفيد-19، استخدمت العديد من الدول البيانات الكبيرة لتحليل انتشار الفيروس وتحديد المناطق الأكثر تأثرًا. تم استخدام بيانات الهواتف المحمولة لتتبع حركة الأفراد وتحديد مناطق الازدحام.
أهم التحديات التي قد تواجه البيانات الكبيرة
رغم فوائد البيانات الكبيرة، فهناك تحديات تواجه استخدامها في تعداد السكان والخدمات، مثل:
– الخصوصية: يجب ضمان حماية بيانات الأفراد وسرية المعلومات.
– الجودة: تحتاج البيانات الكبيرة إلى التحقق من دقتها وصحتها.
– التكامل: إنّ دمج بيانات من مصادر متعددة قد يكون معقدًا.
وبالعودة لتجربة الهند اردت ان أضع تفصيلا بها حتى تساعدنا على فهم هذه المنهجية بشكل افضل وتساعدنا باستخدامها بالحالة السورية لبناء سورية الجديدة :
ان تعداد السكان في الهند لعام 2011 هو أحد أكبر عمليات التعداد في العالم، وقد استغرق تنفيذها فترة زمنية قرابة ثلاثة أشهر فقط، حيث بدأت العملية في يناير 2011 واستمرت حتى مارس 2011. ومع ذلك، فإن استخدام البيانات الكبيرة لم يكن الوسيلة الوحيدة المستخدمة في هذا التعداد، بل تم دمجها مع أساليب تقليدية أخرى.
تجدر الإشارة إلى أن عملية التعداد كانت معقدة نظرًا لحجم السكان الكبير، حيث بلغ عدد السكان حوالي 1.2 مليار نسمة في ذلك الوقت. على الرغم من أن البيانات الكبيرة ساعدت في تحسين دقة التعداد، إلا أن الزمن الفعلي لأخذ التعداد كان يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك التخطيط والتنظيم والموارد المتاحة.
بشكل عام، يمكن القول إن عملية التعداد نفسها استغرقت حوالي شهرين، ولكن التحليل واستخدام البيانات الكبيرة لتحسين النتائج قد استغرق وقتًا إضافيًا قرابة الشهر بعد انتهاء عملية العد الفعلي.
وخلاصة القول يجب أن تبدأ خطة بناء سورية من عاملين أساسين وهما الرقم الاحصائي الصحيح للسكان والخدمات وكذلك مسح الموارد الطبيعية بشكل دقيق للتوصل لصياغة رؤية حقيقية لمستقبل سورية الجديدة.
و تعتبر البيانات الكبيرة أداة قوية لتحسين عملية تعداد السكان والخدمات. من خلال تحليل البيانات الضخمة، يمكن للحكومات والهيئات المعنية تحسين دقة التعداد وتوفير خدمات أفضل تلبي احتياجات المجتمع. ومع ذلك، من الضروري معالجة التحديات المرتبطة باستخدام هذه البيانات لضمان تحقيق أقصى استفادة منها.
خاص وكالة رياليست – د. ياسين العلي – باحث اقتصادي وناشط سياسي – سوريا.