القاهرة – (رياليست عربي): أسدل مهرجان لندن السينمائي الدولي يوم الأحد 16 أكتوبر الستار على نسخته الـ 66 التي بدأت في الـ 5 من الشهر نفسه. وقد عُرض ضمن فعاليات المهرجان المختلفة 160 فيلمًا، بينما تنافست في كل قسم من الأقسام الرسمية 8 أفلام، حيث يضم المهرجان 4 أقسام رئيسة على النحو التالي: المسابقة الرسمية (مسابقة الفيلم الروائي الطويل)، ومسابقة أول فيلم، ومسابقة الفيلم القصير، ومسابقة الفيلم الوثائقي.
وقد طغت على أجواء المهرجان أصداء الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ ما يزيد عن شهر بسبب وفاة الفتاة الإيرانية كُردية الأصل “مَهسا أميني” البالغة من العمر 22 سنة في 16 سبتمبر الماضي، وذلك عقب اعتقالها على يد شرطة الأخلاق المعروفة باسم “گشت اِرشاد: دورية التوجيه” بتهمة ارتداء الحجاب بطريقة “غير مثالية”، وتعرضها لضرب مُبرِّح على أيدي رجال الشرطة أدى إلى إصابتها بسكتة دماغية أودت بحياتها.
وقد حظيت هذه الاحتجاجات بدعم كبير في جميع أنحاء العالم خاصةً من قبل الفنانين الأجانب، وقد تجلت مظاهر هذا الدعم في أغلب المهرجانات الدولية التي أُقيمت مؤخرًا، بدءًا من بيانات رسمية أصدرتها مهرجانات فينيسيا وكان وبرلين تدين قانون الحجاب الإجباري والممارسات القمعية للنظام الإيراني في حق المتظاهرين السلميين، وصولًا إلى قيام فريق عمل الفيلم الوثائقي التركي “سوار ناربيري” Narperi’nin Bileziği، وجميعهن من النساء، بقص جدائلهن عقب العرض الخاص للفيلم ضمن فعاليات الدورة الـ 59 من مهرجان البرتقالة الذهبية السينمائي الدولي بمدينة أنطاليا. وقد صرحت مخرجة الفيلم “جيل إينسيكول” Jale İncekol أن جميع المشاركات في صناعة الفيلم قمن بقص خصلات من شعورهن تخليدًا لذكرى مهسا أميني وتضامنًا مع النساء الإيرانيات في نضالهن ضد قانون الحجاب الإجباري. وقد أشاد الجمهور بما فعله فريق العمل، ونشرت صحيفة “جمهويت” Cumhuriyet إحدى أهم الصحف التركية صورتهن على صدر صفحتها الأولى. يُذكر أن “سوار ناربيري” فيلم نسائي الهوية والمضمون، حيث يروي حكايات 20 امرأة تركية بمنطقة “بوزكورت” في محافظة “دنيزلي” عقب تفشي فيروس كورونا ومعانتهن في مواجهة هذا الوباء وعواقبه.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/فريق-عمل-سوار-ناربيري-يقصصن-شعرهن-1024x576.png)
واستمرارًا لهذا الدعم العالمي، افتتح مهرجان لندن السينمائي فعالياته بإعلان دعمه الرسمي للحراك النسائي في إيران من أجل الحرية، حيث أكدت “تريشيا توتل” Tricia Tuttle المديرة الفنية للمهرجان خلال كلمة الافتتاح تضامنها الكامل مع النساء الإيرانيات اللائي يضحين بأرواحهن في سبيل الحرية، ذاكرةً 3 مخرجين إيرانيين معتقلين حاليًا في سجن إيفين (اِوين) بسبب مواقفهم السياسية المساندة للشعب ضد الحكومة، وهم: جعفر بَناهي (پناهی)، ومحمد رسولوف (رسولاُف)، ومصطفى آل أحمد. كما أُقيم حفل ضخم بحضور عدد كبير من صناع السينما حول العالم، حمل كل واحد منهم لافتةً مدون عليها اسم مخرج إيراني من المخرجين الثلاثة المعتقلين.
وكانت السلطات الإيرانية قد ألقت القبض على المخرجين الثلاثة في يوليو الماضي بتهمة “الاتصال بالقوى المناهضة للثورة الإسلامية والإخلال بالأمن النفسي للمجتمع”، وذلك بعد أن أصدر ما يقرب من 100 سينمائي إيراني يتزعمهم رسولوف في 29 مايو بيانًا بعنوان ” تفنگت را زمین بگذار: ألق سلاحك” في أعقاب انهيار جزء كبير من برجي متروبول التوءم قيد الإنشاء بمدينة عبادان (آبادان) الواقعة في محافظة خوزستان في 23 مايو، مما أسفر عن وفاة 43 شخصًا وإصابة 37 آخرين واندلاع مظاهرات حاشدة في مدن خوزستان المختلفة وسائر المدن الإيرانية تطالب بمحاسبة المسؤولين عن انهيار المبنى، وهي المظاهرات التي قمعتها وحدة “القوات الخاصة” بعنف شديد.
وقد جاء في بيان السينمائيين الإيرانيين الذي اعتبرته الحكومة ضد النظام ويهدد السلم العام: “إن الجموع الغفيرة من الشعب المظلوم في جميع أنحاء إيران تصيح مطالبةً مساندة أهالي عبادان المكلومين ومؤازرتهم. حتى الآن قد أدى الغضب الشعبي من الفساد والسرقة وعدم الكفاءة والقمع والترويع إلى موجات متتابعة من الاحتجاجات، لذا نطلب من كل الأفراد الذين تحولوا في الوحدات العسكرية إلى أداة تقمع الشعب، أن يلقوا أسلحتهم ويعودوا إلى أحضان الأمة”. وكان بناهي وآل أحمد من بين الموقعين على هذا البيان.
أما الحدث الأكثر جدلاً والأغرب شكلاً في إطار دعم الاحتجاجات الإيرانية بمهرجان لندن السينمائي فكان من صنيعة “عليّ عباسي” مخرج الفيلم الإيراني الأبرز هذا العام “العنكبوت المقدس” Holy Spider، فقد حوّل عباسي مراسم السجادة الحمراء الخاصة بعرض فيلمه إلى عرض حيّ ضد النظام الإيراني، وفاجأ الحضور بالظهور متنكرًا في شخصية “آخوند مصاص دماء”، والآخوند هو لقب رجل الدين في إيران. فعباسي المولع بسينما الرعب اختار شخصية مصاص الدماء التي تعد أشهر شخصيات هذه النوع السينمائي، كرمز للحكومة الدينية في إيران، وظهر على السجادة الحمراء متعمِّمًا عِمامة ومتلحفًا عباءة مثل رجال الدين الإيرانيين، لكن الدماء كانت تقطر من فمه، ويداه مخضبة بالدماء، وملابسه البيضاء ملطخة بقطرات الدم في إشارة واضحة إلى تورط النظام الإيراني في مقتل المتظاهرين.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-1024x576.jpg)
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/علي-عباسي-متنكرًا-في-شخصية-آخوند-مصاص-الدماء.jpg)
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/عباسي-وزهراء.png)
وإلى بجواره حمل فريق عمل “العنكبوت المقدس” عددًا من اللافتات المتنوعة كُتب عليها اسم “مهسا أميني”، وعبارة “الصمت هو العنف”، والشعار الكُردي الشهير “المرأة.. الحياة.. الحرية”. وقد ظهر هذا الشعار لأول مرة عام 1998 أثناء حركة الاستقلال الكُردية بزعامة “عبد الله أوجلان” Abdullah Öcalan مؤسس حزب العمل الكردستاني، عندما قال: “طالما لم تتحرر المرأة لن يتحرر المجتمع… المرأة.. الحياة.. الحرية تعني امرأة حرة، ووطن حر، وأيضًا رجل حر”. ومن بعدها أصبح هذا الشعار شعارًا عالميًا يرمز إلى تحرير المرأة ومناهضة العنف ضدها، ترفعه النساء المطالبات بالحرية والمدافعات عن حقوقهن في كل مكان.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/فريق-عمل-العنكبوت-المقدس-يرفع-شعار-المرأة،-الحياة-والحرية-1024x576.jpg)
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/صورة-1024x576.jpg)
الأفلام الإيرانية في المهرجان
على الرغم من أن السينما الإيرانية لم تشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان هذا العالم، لكن عُرضت 5 أفلام إيرانية في أقسام المهرجان الأخرى وفعالياته المتعددة.
خرس نيست “لا يوجد دببة”
الفيلم الأول “خِرس نیست: لا يوجد دِببة”، ويُعرض عالميًا تحت عنوان No Bears، وهو من تأليف وإخراج وإنتاج صائد الجوائز “جعفر بناهي”، وبطولته إلى جانب ناصر هاشمي، وفحيد (وحيد) مُبَصِّري، وبختيار بنجيي(پنجهای)، ومينا كافاني (كاوانى)، ورِزا (رضا) حيدري، وعدد كبير من الممثلين الآخرين. تم تصوير الفيلم في إيران خفيةً، وعُرض لأول مرة في 9 سبتمبر بالمسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الـ 79، ووصل إلى قائمة الأفلام المرشحة للحصول على جائزة “الأسد الذهبي” كأفضل فيلم، لكنه حصد في النهاية جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
ووفقًا لردود الأفعال الأولية، استطاع “خرس نيست” أن يستحوذ على إعجاب النقاد وتقديرهم، حيث أشادوا بأصالته الفنية ومضمونه وإخراجه الجيد، واعتبره بعض النقاد في مهرجان فينيسيا أفضل أعمال بناهي حتى الآن.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-لا-يوجد-دببة.jpg)
ويروي الفيلم قصتي حب بشكل متواز، يواجه فيهما كل عاشقين عقبات خفية وحتمية، ويصارعان قوى الخرافات والقيود المجتمعية، وبالتزامن مع ذلك يلعب بناهي دوره الحقيقي في الأحداث باعتباره مخرج الفيلم، حيث نراه يظهر في إحدى القُرى الإيرانية الواقعة على الحدود التركية، ويقوم بتوجيه فريق العمل الموجود في الجانب التركي، فيصور بمعاونة مساعده قصة زوجين يحاولان الحصول على جوازي سفر مزورين من أجل الفرار إلى فرنسا. على الجانب الآخر يصور بناهي فيلمًا وثائقيًا عن القرية المقيم بها، فيلتقط بكاميراته الخاصة صورًا ومقاطع مصورة للقرية وأهلها، لكنه سرعان ما يصطدم بالأعراف السائدة في هذه القرية دون قصد منه، حيث يزوره مجلس شيوخ القرية “أصحاب اللُحى البيضاء”، ويطلبون منه أن يُرِيَهم صورةً يدعون أنه قد التقطها لزوجين محليين تُظهِر “علاقةً محظورةً”، فيخبرهم بناهي أنه لم يلتقط مثل هذه الصورة، لكن أهالي القرية يرفضون تصديقه، فيتأزم الموقف بين الطرفين، ويؤدي تصوير الفيلم بأكمله إلى عواقب وخيمة.
وظهور بناهي بشخصيته الحقيقية في الفيلم هو نهج اعتاد اتباعه في أعماله الأخيرة، ويعتمده عدد كبير من مخرجي العالم، وكان مخرجنا الراحل “يوسف شاهين” النموذج المصري في هذا النمط السينمائي، حيث ظهر بشخصيته الحقيقية كمخرج يوجه الممثلين في بعض أعماله. بالإضافة إلى ذلك لقد تعمد بناهي أن يُظهِر نفسه في الفيلم وهو يقود من إيران الممثلين الموجودين خارج إيران في إشارة رمزية إلى منعه من ممارسة العمل السينمائي وفقًا لحكم القضاء الإيراني.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/جعفر-بناهي-يحمل-جائزة-الدب-الفضي-من-مهرجان-برلين-عن-فيلم-حالة-تسلل-1024x576.png)
وكانت السلطات الإيرانية في 1 مارس 2010 قد اعتقلت بناهي و18 فردًا من أسرته وأصدقائه من منزله بطهران، وزعمت السلطات وقتها أن بناهي كان يصور فيلمًا عن الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو 2009، وفاز بها الرئيس الأصولي “محمود أحمدي نِجاد (نِژاد)” بولاية ثانية، لكن منافسه الإصلاحي “مير حسين موسوي” أعلن آنذاك أن الانتخابات قد زُورت لصالح نجاد، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات واسعة في جميع أنحاء إيران عُرفت باسم “جُنبِش سبز: الحركة الخضراء” نسبةً إلى شعار موسوي في الانتخابات.
وقد اتهمت محكمة الثورة فرع 26 بطهران بناهي بـ “التجمع والتواطؤ بهدف ارتكاب جريمة ضد الأمن القومي والنشاط الدعائي ضد نظام الجمهورية الإسلامية”، وقضت بحبسه 6 سنوات حبسًا تعزيريًا – لا حد فيه ولا كفارة – ومنعه لمدة 20 عامًا من كل من صناعة الأفلام وإخراجها وتأليفها، وإجراء أي حوار مع وكالة إعلامية أو صحفية إيرانية أو أجنبية، والسفر خارج البلاد. وفي 25 مايو 2010 أُطلق سراح بناهي بكفالة قدرها 200 مليون تومان.
والحقيقة أن جعفر بناهي يعد من أبرز المخرجين الإيرانيين الذين دفعوا ثمنًا فادحًا جراء مواقفهم السياسية، وتعرض للعديد من المضايقات خلال مسيرته السينمائية الحافلة بالانكسارات والانتصارات، وعلى الرغم من ذلك فقد استطاع أن يقدم للعالم نسخة بديعة ومتفردة من السينما الإيرانية جعلت اسمه علامة محلية وعالمية على الإبداع والتميز. نال بناهي عددًا كبيرًا من الجوائز الدولية المرموقة كان أبرزها: جائزة “الأسد الذهبي” من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عن فيلم “الدائرة” The Circle عام 2000، وجائزتا “الدب الفضي” عن فيلم “آفسايد: حالة تسلل” Offside عام 2006، و”الدب الذهبي” عن فيلم “تاكسي” Taxi عام 2015 من مهرجان برلين السينمائي الدولي. كما اُختير رئيس لجنة تحكيم في عدد من المهرجانات الدولية مثل مهرجان روتردام السينمائي الدولي بهولندا عام 2008، ومهرجان مونتريال السينمائي الدولي بكندا عام 2009.
تفريق “طرح”
الفيلم الثاني “تفريق: الطرح” Subtraction، وهو من تأليف وإخراج “ماني حغيغي (حقيقى)”، وشارك في كتابه أيضًا “أمير رِزا (رضا) كوهستاني”، وإنتاج “مجيد مُطَلِبي”، وبطولة اثنين من ألمع نجوم السينما الإيرانية حاليًا تَرانِة علي دوستي، ونافيد (نويد) محمد زاده. عُرض الفيلم لأول مرة في 10 سبتمبر بمهرجان تورونتو السينمائي الدولي الـ 47 في كندا.
تدور أحداث الفيلم في إطار تشويقي مملوء بالإثارة والغموض حول الزوجين فَرزانِة وجلال اللذين يشاهدان مصادفة في أماكن متعددة شخصین شبيهين لهما تمامًا، مما يدفعهما إلى البحث عن أسباب ذلك.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-الطرح.jpg)
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/تفريق.png)
كان من المقرر أن يحضر مؤلف الفيلم ومخرجه “ماني حقيقي” عرض الفيلم بناء على دعوة مهرجان لندن، لكن حينما توجه إلى المطار اكتشف أن السلطات الإيرانية صادرت جواز سفره ومنعته من السفر دون إبداء أسباب، فسجل حقيقي مقطعًا مصورًا تم بثه قبل عرض الفيلم في المهرجان، قال فيه:
“سلام من طهران.. أهلًا بكم في عرض فيلمي الجديد (تفريق)، أتقدم بأسفي الشديد لعدم تمكني من أن معكم في صالة العرض الليلة، فقد منعتني السلطات الإيرانية يوم الجمعة – 14 أكتوبر – من السفر إلى لندن، ولم يعطوني أي تفسير أو سبب حول هذا التصرف الوقح، لذا أثناء عودتي من المطار إلى منزلي كنتُ أفكر في ذلك وأسأل نفسي: لماذا يرغب النظام الإيراني في أن يمنعني كمخرج سينمائي من مغادرة بلادي؟، فتوصلتُ إلى نظريتين: الأولى هي أنني سجلتُ منذ أسبوعين مقطعًا مصورًا على إنستجرام، أعربتُ فيه عن معارضتي قانون الحجاب الاجباري والتعامل العنيف مع الشباب الذي نهض محتجًا على هذا القانون وعلى ما يلقاه في حياته من أمور كثيرة ظالمة، فربما ظن المسؤولون أنهم بإبقائي هنا سيُراقبونني عن كثب، ويُرهِبونني، ويُسكِتونني، لكن في الواقع هذه الخطة لم تجد نفعًا، وها أنا ذا أتحدثُ إليكم في هذا الفيديو الآن. أما النظرية الثانية فهي – أن هذا التصرف من قبل النظام – نوع من النفي الداخلي، فقد جعلوا بلدي وبيتي سجنًا لا يحتمل بالنسبة ليّ، وعاقبوني بالبقاء فيه كسجين، لكن دعوني أخبركم أن وجودي في طهران الآن هو أكبر سعادة في حياتي، فأنا لا أستطيع أن أجد كلمات تعبر عن سعادتي وفخري وأنا أشهد هذه اللحظة التاريخية العظيمة.. أنني أفضلُ وجودي هنا الآن عن وجودي في أي مكان آخر بالعالم.. إذن فلو كان هذا عقابي فأنا استقبله بالأحضان.. أتمنى أن تستمتعوا بمشاهدة الفيلم، وأعدكم أن أكون معكم في فيلمي القادم قريبًا.. واسمحوا ليّ أن أنهى حديثي بـ 3 كلمات منحتنا كإيرانيين كثيرًا من السعادة والشجاعة خلال الأسابيع القليلة الأخيرة: المرأة.. الحياة.. الحرية.. شكرًا لكم”.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/ماني-وترانة-ونافيد-من-كواليس-تصوير-الطرح-1024x623.jpg)
العنكبوت المقدس
أما الفيلم الثالث فهو “العنكبوت المقدس” Holy Spider الذي يعد أبرز فيلم إيراني هذا العام بعد فوز بطلته “زهراء (زَر) أمير إبراهيمي” بجائزة أفضل ممثلة من مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ 75، لتصبح أول ممثلة إيرانية تحصل على هذه الجائزة الرفيعة. الفيلم من إخراج “علي عباسي”، وسيناريو وحوار عباسي بالاشتراك مع “أفشین کامران بهرامي”، وبطولة زهراء إبراهیمي، ومهدي بَجستاني، وعدد من الممثلين الآخرين، وإنتاج شركتي “بروفايل بيكتشرز” Profile Pictures، و”وان تو فيلمز” One Two Films.
يستند الفيلم إلى واقعة حقيقية حدثت في إيران أواخر التسعينيات، وهي قصة قاتل متسلسل يُدعى “سعيد حَنائي (1962: 2002)”، أشتهر إعلاميًا باسم “العنكبوت القاتل”. كان حنائي عاملًا يعيش بصحبة عائلته (زوجته وابنه وابنته) في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة مشهد. وطبقًا لاعترافات حنائي أمام المحكمة، أن زوجته تعرضت لمحاولة اعتداء على يد سائق أجرة، فألقى اللوم على بائعات الهوى، وحمّلهن مسؤولية هذه الحادثة، لذا شروع في قتلهن. قتل حنائي في أقل من سنة واحدة 16 امرأةً. وطبقًا لما يذكره أنه كان يريد تطهير المجتمع من “الفساد والرذيلة”، وعد نفسه “مؤمنًا ومتدينًا”. تم إعدام حنائي في 17 أبريل 2002، وكان يبلغ وقتها من العمر 40 عامًا.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-العنكبوت-المقدس-1024x584.jpg)
تدور أحداث الفيلم في إطار بوليسي – تشويقي وتبدأ بتوجه سعيد (مهدي بجستاني) إلى مشهد لقتل بائعات الهوى، ولكن بعد مقتل عدد من النساء، ينتابه قلقًا شديدًا بسبب عدم ترحيب المجتمع بهذه الجرائم، وذلك على خلاف اعتقاده بأنه ينفذ “أمرًا إلهيًا”. تبدأ وسائل الإعلام في تداول أخبار جرائم القتل، وتطلق على مرتكبها اسم “العنكبوت القاتل”، فتتوجه الصحفية رحيمي (زهراء إبراهيمي) من طهران إلى مشهد حتى تجري تحققًا حول هذه الجرائم. عندما يُلقى القبض على سعيد، ويُحكم عليه بالإعدام، يعتبره الرأي العام “بطلًا”.
عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان في 22 مايو 2022، ولفت إليه الانتباه بشكل ملحوظ، وقوبل باستحسان كبير من قبل صناع السينما والنقاد، ووصل إلى قائمة الأفلام المرشحة للفوز بجائزة السعفة الذهبية كأفضل فيلم في دورة هذا العام، واعتبره بعض النقاد المرشح الأوفر حظًا للحصول على الجائزة، لكن في نهاية الأمر حصدت إبراهيمي عنه جائزة أفضل ممثلة فقط. يُذكر أن الفيلم عُرض في دور العرض الفرنسية في 13 يوليو تحت عنوان “ليالي مشهد” Les Nuits de Mashhad.
أثار عرض “العنكبوت المقدس” في مهرجان كان موجةً من الغضب والتنديد الشديدين بين المسؤولين الإيرانيين ووسائل الإعلام الحكومية، وشنت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ومؤسسة السينما الإيرانية والصحف الحكومة حملات حادة على صناع الفيلم بسبب موضوعه الجريء وبطلته التي كانت متورطة في قضية أخلاقية قبل رحيلها عن إيران.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/المهرجان-1024x576.png)
تابستان با امید “صيف مع أوميد”
رابع الأفلام الإيرانية هو “تابستان با اُمید: صيف مع أوميد” Summer with Hope من تأليف وإخراج “صَدَف فُروغي”، وإنتاج إيراني – كندي مشترك بين فروغي، وكيارش أنفاري (انورى)، وكريستينا بيوفسان Christina Piovesan، وبطولة ليلي رشيدي، ومهدي غُرباني (قربانى)، وبِنيامين بیرفاني (پیروانی)، وعلي رِزا (رضا) كمالي، وعدد من الممثلين الآخرين.
تدور أحداث الفيلم حول مراهق يُدعى “أوميد”، وهو سبّاح ماهر ينتقل مع أمه وعمه من العاصمة الإيرانية طهران إلى محافظة جيلان الواقعة على بحر قزوين من أجل المشاركة في بطولة السباحة القادمة، لكن مدرب المنتخب الوطني يرفض تسجيل أوميد في المسابقة بحجة انتهاء الوقت المحدد للتسجيل. ومع ذلك يتعين على أوميد أن يشارك في بطولة سباحة لسببين؛ أولهما: إن لم يشارك ببطولة سيضطر إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية. وثانهما: إن والدته تريد الطلاق من والده، لكن والده يرهن موافقته على الطلاق بفوز الابن ببطولة، لذا يبدأ أوميد تدريباته على يد مدرب خاص يُدعى “ماني” حتى يتمكن من المشاركة في مسابقة سباحة لا تُجرى في الداخل، بل في المياه المفتوحة، فتثير العلاقة الطيبة والمقربة بين أوميد وماني شائعات عديدة عن وجود علاقة مثلية بينهما في مجتمع يؤول ما يرى وفقًا لما يرتئيه دون توخي الدقة.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-صيف-مع-أوميد.jpg)
عُرض الفيلم لأول مرة في 7 يوليو بمهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي الـ 56 في التشيك، واستطاع أن يقتنص جائزة المهرجان الكُبرى “الكرة الأرضية الكريستالية” Crystal Globe كأفضل فيلم.
پرونده “الملف”
وأخيرًا فيلم “برفاندِة (پَروَنده): الملف” File، وقد عرض في مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان لندن، وهو من تأليف وإخراج “سونيا حداد”، وإنتاج “بِیمان (پِیمان) شادمانفر”، وبطولة إلهه أفشاري، وجافاد بولادي (جواد پولادی)، ومجتبی رجبي، ومهين صدري، وأمير علي طاهر آبادي. تدور أحداث الفيلم حول طفل أبكم يبلغ من العمر 6 سنوات، يذهب بصحبة أمه لإجراء فحص صحي لمرحلة ما قبل المدرسة. أثناء التقييم يتصرف الصبي بشكل غريب مما يعقد الموقف.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-الملف.jpg)
السينما العربية في مهرجان
كان للسينما العربية حضور مميز هذا العام في مهرجان لندن خاصة المغرب العربي الذي استحوذ على نصيب الأسد من حيث عدد الأفلام المشاركة، حيث عُرضت ضمن فعاليات المهرجان المتنوعة أفلام: السباحتان The Swimmers للمخرجة المصرية “سالي الحسيني”، والقفطان الأزرق The Blue Caftan للمخرجة المغربية “مريم توزاني”، وأشكال Ashkal للمخرج التونسي “يوسف الشابي”، وتحت أشجار التين Under the Fig Trees للمخرجة التونسية “أريج سحيري”.
كما شارك في المسابقة الرسمية فيلمان لكنهما لم يتمكنا من اقتناص أية جوائز، الفيلم الأول “نزوح” Nezouh من تأليف وإخراج السورية “سؤدد كعدان”، وبطولة كِندة علوش، وسامر المصري، ونزار العاني، وهالة الزين، وهو إنتاج مشترك بين بريطانيا وفرنسا وسوريا. استطاع هذا الفيلم حصد العديد من الجوائز الدولية المرموقة، كان أهمها جائزتين من مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الـ 79؛ الأولي جائزة أفضل فيلم بتصويت الجمهور وتقدمها شركة “أرماني” Armani الراعية الرسمية للمهرجان، والثانية جائزة “الفانوس السحري” Lanterna Magica، وتمنحها “الجمعية الاجتماعية الثقافية للشباب” Cinecircoli Giovanili Socioculturali. يروي الفيلم معاناة الشعب السوري مع بداية الحرب من خلال أسرة السيد معتز (سامر المصري) الذي يرفض عقب قصف منزله بدمشق، الفرار من البلاد والتحول من مواطن يعيش على أرضه إلى لاجئ يعيش مغتربًا، مما يضع زوجته هالة (كندة علوش) وابنته زينا (هالة الزين) أمام خيارين إما البقاء معه أو الرحيل عنه.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-نزوح.jpg)
والفيلم الثاني “الملعونون لا يبكون” The Damned Don’t Cry من تأليف وإخراج المغربي “فيصل بوليفة”، وبطولة عبد الله الحجوجي، وعائشة طيبَّي، والفرنسي “أنطوان راينارتس” Antoine Reinartz، وهو إنتاج مشترك بين فرنسا وبلجيكا والمغرب، ويروي علاقة مضطربة بين السيدة فاطمة الزهراء (عائشة طيبي) وابنها المراهق سليم (عبد الله الحجوجي) يتخللها ماض غامض وسر دفين.
جوائز المهرجان
فاز بجائزة أفضل فيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان لندن هذا العام “كورساج” Corsage، وهو من تأليف وإخراج النمساوية “ماري كروتزر” Marie Kreutzer، وبطولة فيكي كريبس Vicky Krieps، وكولن مورجان Colin Morgan، وفينيجان أولدفيلد Finnegan Oldfield، وإنتاج مشترك بين النمسا وألمانيا ولوكسمبورج وفرنسا. الفيلم يرسم صورةً خياليةً لسنة في حياة إمبراطورة النمسا “إليزابيث أمالي أوجيني” Elisabeth Amalie Eugenie. تبدأ الأحداث عشية عيد الميلاد عام 1877، وهو العام الذي أتمت فيه الإمبراطورة عامها الـ 40، واختتمت مرحلة الشباب، وكانت تملك قلوب العامة والخاصة بجمالها الأخاذ، حيث تسعى إلى الحفاظ على هيئتها المعهودة لدى الجميع والتحرر من القيود الملكية.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-كورساج-1024x576.jpg)
وفي قسم أول فيلم، فاز الفيلم التشيلي “1976” من إخراج “مانويلا مارتيلّي” Manuela Martelli، وتأليفها بالاشتراك مع أليجاندرا موفات Alejandra Moffat، وبطولة إلين أدريانا Aline Küppenheim، ونيكولاس سيبولفيدا Nicolás Sepúlveda. تدور أحداث الفيلم في زمن الديكتاتور التشيلي السابق “أوجستو بينوشيه” Augusto Pinochet حول السيدة “كارمن” التي تتوجه إلى منزلها المطل على الشاطئ عندما يطلب منها كاهن العائلة أن تعتني بشاب ناشط سياسي كان يأويه الكاهن سرًا، مما يجعل كارمن تخطو في سُبل جديدة لم تعهدها من قبل، وتتحول حياتها الهادئة إلى حياة مملوءة بالأحداث. الملفت في الفيلم أنه يسرد تفاصيل عديدة إبان حكم بينوشيه تكاد تتطابق مع ممارسات أغلب الحكام الديكتاتوريين في العالم، وتجعلنا ندرك أن التاريخ من الممكن أن يُعيد نفسه ثانيةً بعد عدة عقود في دولة أخرى من دول العالم.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-1976-1024x576.jpg)
وفي قسم الأفلام القصيرة، فاز الفيلم الصيني “ليس لديّ أرجُل، وعليِّ أن أعدو” I Have No Legs, and I Must Run للمخرج “لي لو” Li Yue، من بطولة يان سان يان Yan Sanyuan، وشين وين Xin Wen، وزهاو بانج شو Zhaobang Xu. يدور الفيلم حول بطل عدو مسافات قصيرة يعاني من إصابة في الأرجل. يتزامن ذلك مع انضمام عَدَّاء جديد إلى فريق العدو مفعم بالحيوية والنشاط يدعي تحطيم الرقم القياسي للبطل، مما يثير الغيرة والتحدي في قلب البطل.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-ليس-لديّ-أرجُل-وعليِّ-أن-أعدو.jpg)
أما في قسم الأفلام الوثائقية، فقد فاز بجائزة أفضل فيلم الفيلم الهندي “كل ما يتنفس” All That Breathes للمخرج “شوناك سين” Shaunak Sen، وتدور أحداثه حول شقيقين في مدينة دلهي يكرسان حياتهما لحماية طائر “الحدأة السوداء” ورعايته.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/بوستر-فيلم-كل-ما-يتنفس.jpg)
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/10/مهرجان-لندن-السينمائي-الدولي-2022.png)
خاص وكالة رياليست – د. محمد عمر سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.