باريس – (رياليست عربي): كانت جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي استمرت خمسة أيام في وسط إفريقيا في الأسبوع الأول من مارس، وفقاً لمراقبين دبلوماسيين، أصعب رحلة قام بها إلى القارة الأفريقية منذ توليه السلطة في عام 2017، حيث تسببت نتائج الزيارة في ردود فعل متضاربة في كل من البلدان التي زارها وفي فرنسا نفسها.
اختار ماكرون، الذي يزور إفريقيا بشكل متكرر، طريقاً جديداً هذه المرة، أربع عواصم لم يزرها بعد مرتدياً بدلة رئاسية، من 1 إلى 5 مارس، قام على التوالي بزيارة ليبرفيل (الجابون) ولواندا (أنغولا) وبرازافيل (الكونغو) وكينشاسا (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، وقبل بدء المسار أعلن الرئيس نهاية عهد “إفريقيا الفرنسية”.
إعادة تنظيم القواعد الفرنسية
شدد ماكرون خلال توقفه في ليبرفيل، على أن إعلانه تقليص الوجود العسكري الفرنسي بعد سنوات من قتال الجهاديين في منطقة الساحل لا يعني “لا انسحاب فرنسا من المنطقة، ولا إنهاء الالتزامات”، ووعد بضبط ميزان القوى بما يتوافق مع طلبات الشركاء وتطور التهديدات وتعزيز آليات التفاعل وتوسيع البرامج التدريبية.
وطبقاً لخطط الرئيس فإن إعادة التنظيم المقررة للوحدة العسكرية ستؤثر على القواعد الفرنسية في ليبرفيل وأبيدجان وداكار، وهو يدعو إلى تقاسم واجبات إدارة القاعدة مع الأفراد العسكريين في المنطقة، يجب أن تتم الموافقة على الهيكل التنظيمي الجديد بحلول 14 يوليو.
وعبّر ماكرون في الوقت ذاته عن قناعته بوجود اهتمام واضح لنظرائه الأفارقة بوجود جنود فرنسيين في غرب القارة، وأشار إلى أعمال القراصنة في خليج غينيا والتعدين غير المشروع للذهب وتهريب المخدرات من قبل الجماعات الإرهابية في منطقة بحيرة تشاد، عند زيارة مشتل بالقرب من ليبرفيل، كان مهتماً بنضال السلطات المحلية ضد إزالة الغابات.
كانت المحطة الأفريقية التالية لماكرون هي أنغولا، التي تتنافس مع نيجيريا على وضع أكبر منتج للنفط في جنوب الصحراء الكبرى، وكما تم التأكيد في باريس، فإن تطلعات الدولة الأوروبية، مع ذلك، لا ترتبط بالودائع البحرية، التي شكلت أساس ثروة شركة الطاقة الفرنسية توتال إنرجي، الدبلوماسية الموازية لشركات النفط، وفقاً لهذه التأكيدات أصبحت الآن صفحة مطوية، وكذلك العصر الفرنسي الأفريقي.
تعتمد باريس على علاقات وثيقة مع المستعمرة البرتغالية السابقة، التي تستعد للاحتفال بمرور نصف قرن على استقلالها في غضون عامين، ويهدف هذا المعدل إلى تأكيد النهج الفرنسي الجديد في العلاقات مع القارة. مثل إثيوبيا ونيجيريا وكينيا، فإن أنغولا، بصفتها المحاور الجديد المميز لفرنسا، هي مثال على الشراكة التي تتجاوز “الفناء” التاريخي.
كما تضمن جدول أعمال المفاوضات مع نظيره الأنغولي جواو لورينسو ملفاً في مجال الأمن، حيث يشهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية اشتباكات بين الجيش الكونغولي وحركة 23 مارس المعارضة (حركة 23 مارس)، ووفقاً لتقارير خبراء الأمم المتحدة، فإن الأخيرة تتلقى أسلحة من رواندا المجاورة. منذ أشهر، كانت لواندا تحاول التوسط بين كينشاسا وكيجالي، ولكن حتى الآن فشلت “عملية لواندا”، كما يطلق عليها، في احتواء تقدم حركة 23 مارس.
هذا الصراع يقلق باريس، في الخريف، خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعا ماكرون رؤساء جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي ورواندا، بول كاغامي، لتناول الإفطار. بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تسعى فرنسا إلى إظهار اهتمامها بحل النزاع والحفاظ على العلاقات مع كل من الأطراف.
نقطة محورية جديدة
وفقاً للاقتصادي الفرنسي دانيال ريبوت، يجب أن تكون أنغولا منفتحة على الاستثمار الأجنبي، حتى لا تظل اقتصاداً نفطياً حصرياً، على الرغم من أن البلاد قد تفوقت في السابق على نيجيريا في إنتاج النفط، إلا أن إنتاجها يتراجع وانخفض من 1.8 مليون إلى 1.2 مليون طن يومياً خلال عشر سنوات، ومع ذلك، يمثل الغاز والنفط الجزء الأكبر من الصادرات الأنغولية.
تقدم باريس مساعدات السيادة الغذائية إلى لواندا، اليوم، تستورد أنغولا جميع الأنواع الأساسية تقريباً من المواد الغذائية، على الرغم من أن إمكاناتها الزراعية هي واحدة من أهمها في جنوب إفريقيا بسبب موارد المياه والمناخ الملائم، ومع ذلك، من أصل 35 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، تمت زراعة 5.9 مليون فقط في 2020-2021.
كما يقر الخبراء بصعوبة جذب المستثمرين الفرنسيين إلى بلد غير فرنكوفوني، حيث قامت وكالة التنمية الفرنسية (AFD) بتوسيع مشاريعها هناك من 200 مليون يورو إلى 800 مليون يورو، لكن القطاع الخاص في أنغولا لا يزال صغيراً وظروف العمل صعبة، كما يقول الخبراء، في الوقت نفسه، تخشى الوكالة الفرنسية للتنمية من المنافسة من الصين وروسيا وتركيا.
وجاءت الزيارة على خلفية الخلافات بين الدول الغربية والدول الأفريقية حول مقاربة النزاع الأوكراني، عندما رفض ما يقرب من نصف دول القارة دعم قرار مجلس الأمن الدولي قبل عام يدعو إلى إنهاء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تفاجأ الشركاء الغربيون، كما لو كان من الصعب عليهم الاعتراف بأن إفريقيا أفريقية، يمكن للبلدان أن يكون لها أحكام مستقلة، كما تجلى رفض الموقف الغربي خلال اقتراع جديد الشهر الماضي.
كما انتقد المعارضون جولة الرئيس الإفريقية لايجازها، وبحسب السياسي اليميني المؤثر ووزير الميزانية الأسبق جان فرانسوا كوب، فإن الرحلة ترقى إلى إعلان نهاية حقبة “إفريقيا الفرنسية” ولم تتخللها أي رسالة جديدة في الاقتصاد، وقال: “في برنامج الزيارة الخاطفة، في تسلسل الحركات، من الصعب اكتشاف المنطق، لم يأخذ ماكرون في الاعتبار الأهمية التي توليها الثقافة الأفريقية لفترة طويلة”.