أثارت تفاعلات الأزمة التي لحقت برجل الأعمال المقرب من الدائرة الضيقة لسلطة الحكم في دمشق، رامي مخلوف (ابن خال بشارالأسد)، الكثير من الجدل والتحليلات حول التداعيات و الأسباب الحقيقية التي دفعت الأسد إلى إلقاء الحجز الاحتياطي على أموال مخلوف ومنعه من السفر حتى تحصيل مبالغ تصل حتى 130 مليار ليرة سورية.
رغم كل ما جرى خلال شهر أيار الجاري من تطورات أحداث تعلقتبأزمة مخلوف وتحصيل أموال استحق دفعها “بشكل مفاجئ” على شركة “سيريتل” التي تعتبر أهم أركان امبراطوريته الاقتصادية، إلاأن الأمر ولو أنه “ظاهرياً” يبدو كصراع اقتصادي بين مخلوف وأسماء الأخرس زوجة ابن عمته، ورغبة من الأخيرة في السيطرة على ممتلكاته، غير أن أسباب هذه المواجهة أكبر بكثير من تصفية نفوذ اقتصادي لرجل تسلط على الاقتصاد السوري قرابة العشرين عاماً، بل إنما تتوسع لتصل إلى تغيير خارطة هذا الاقتصاد وإبعاده تماماً عن النفوذ الإيراني.
حرب خاسرة لإيران؟
تشي التحركات الجارية على الأرض السورية والتقارير المتزامنة حول ضرورة الخروج الإيراني من سوريا، بأن موسكو قد أدركت على ما يبدو أن طموحات طهران في المنطقة -سوريا تحديداً- أكبرمن أن تُحتمل وستخسر بسببها الكثير، سواء التواجدالاستراتيجي الذي تبنيه في المنطقة عبر سوريا، أو ما يتصل به من منافع اقتصادية طويلة الأمد عبر إدخال مرحلة إعادة الإعمار إلىسوريا في أقرب مدة زمنية.
تتشبث الدول الأوروبية بالرؤية الأميركية في سوريا والقاضية بإخراج النفوذ الإيراني كعامل رئيسي دافع للعملية السياسية والبدء بمرحلة الإعمار، وهو الأمر الذي قد يكون أيقنت من خلاله موسكو أن لا تراجع في مسألة التعامل الجاد مع إخراج إيران.
التقارير التي أفادت ببدء طهران سحب بعض عناصر نفوذها منسوريا، أشارت إلى أن تحركاً جديّاً خارج الحدود السورية باتت إيران قد تكون مضطرة إليه خلال الفترة الحالية -على الأقل-، فيظل قرب تطبيق قانون “قيصر” الأميركي (الشهر المقبل) والذي سيضر بشكل أساسي في حليفة دمشق، “المكروهة من الجميع” (إيران) ما لم ترضخ لتنفيذ الرؤية الأميركية؛ وقطع الطريق الأهم على مخططات حرسها الثوري في المنطقة.
و يبدو أن تعاوناً روسياً أميركياً وإن لم يكن ظاهرياً؛ بات قيد التنفيذ لاستهداف النفوذ الإيراني، فموسكو التي لم تعد تحتمل تكاليف خسارة أكثر في سوريا بسبب الاستعصاء الحاصل بفعل تشبث إيران بنفوذها، باتت تغض الطرف عن القصف الإسرائيلي بشكل مستمر، في الوقت الذي بدأت فيه أيضاً بـ “قصقصة أجنحة” إيران العسكرية والاقتصادية داخل سوريا، رغبة منها بإحداث مرحلة جديدة في سوريا، يمكن من خلالها استكمال تنفيذ خطتها التيعملت عليها في سوريا لإبراز نفسها كقوة عالمية تنافس الولايات المتحدة، بالتوازي مع استمرار بشار الأسد.
في المقابل فإن واشنطن التي عادت مؤخراً بشكل جدي إلى الملف السوري، تريد تنفيذ أهم بنود استراتيجيتها، و يبدو أن ذلك بات قريباً بعد تفاهمات ثلاثية تشاركت فيها مؤخراً مع كل من روسيا وإسرائيل.
لماذا رامي مخلوف الآن؟
منذ منتصف عام 2017 ذكرت تقارير صحفية؛ بدء روسيا التحرك صوب تقليم أظافر إيران، قد يكون ذلك بمسارات عدة من أهمها العسكري، الأمني، والاقتصادي، بحيث لا يمكن أن يتم ذلك دون إبعاد العناصر السورية الموالية لإيران سواء داخل الألوية العسكرية أو الفروع الأمنية، وهو ما بدأ يتم لاحقاً (مطلع عام 2019) وبالتحديد في الجيش عبر ما أطلق عليه “لجنة مكافحة الفساد”، التي أمر رئيسها العميد آصف الدكر بزج العديد من الضباط المحسوبين على النفوذ الإيراني في السجن بتهم فساد متعددة؛ حتى أن التحقيقات طالت أكبر القيادات الأمنية في سوريا اللواء جميل الحسن رئيس المخابرات الجوية الأسبق (مطلع العام الجاري)، دون أن ينفصل عن تلك المتغيرات السعي لتصفية النفوذ الاقتصادي لأهم رجالات إيران في الاقتصاد السوري ومن يتشارك معه في التيار ذاته.
لقد تم إظهار الخلاف الذي برز من خلال فيديوهات رامي مخلوف والقرارات التالية لها، كان أكثرها جدلاً إلقاء الحجز الاحتياطي على أموال الأخير، من أجل أن يتم البناء على أن كل ما يحصل هو صراع اقتصادي بين جناح رامي مخلوف وجناح أسماء الأخرس/الأسد، غير أنه ما هو إلا “صراع مصالح مفهوم” بين القوى المتواجدة في الملف السوري؛ تريد كسبه روسيا، فمن الصعب التأكيد على تمدده ليخسر الأسد ركن اقتصادي مهم لديه مثل رامي مخلوف، بل أن الترتيبات لهذه المرحلة كانت وضعت في حسبانها انتقالاً سلساً للسلطة الاقتصادية إلى زوجة الأسد (ذات الهوى الغربي) والتي تُعتبر معادية للنفوذ الإيراني، للقول بأن إمكانية بدءإعادة الإعمار في سوريا بعد إقصاء النفوذ العسكري والاقتصادي لإيران في سوريا أوشك على الانتهاء منه.
و تريد موسكو استمالة الأوروبيين الخاضعين لتوجهات واشنطن، للتأكيد على أن إعادة الإعمار يجب أن تمر في سوريا ما دام رجالات إيران غابوا عن المشهد الإقتصادي؛ كما سيغيب نفوذ طهران لاحقا على الأرض ولو أن ذلك قد يتطلب بعض الوقت بالتزامن مع استمرار الضغوط على النظام الإيراني.
الخلاف الظاهر للعلن بين مخلوف والأسد لا يعني أن هناك مشاكل كبيرة فعليا بينهما، لكن الأسد أراد الخروج بأقل الأضرار؛ ليكون الوصول إلى هذا الحل المرضي للطرفين، عبر الترويج لهذا الخلاف في سبيل وصوله إلى وسائل الإعلام، وليقال في الأوساط المتابعة للملف السوري أوروبياً/غربياً أن عهد مخلوف وإيران قد انقضى دون رجعة.
مالك الحافظ- باحث و محلل سياسي، خاص لوكالة أنباء “رياليست” الروسية