موسكو – (رياليست عربي): إن تنامي التوترات الدولية يطرح سؤالاً مهماً حول كيفية منع الاشتباكات المسلحة في مختلف أنحاء العالم، وهنا لا تلعب الكتل العسكرية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي الدور الرئيسي، بل تلعبه الاتحادات الاقتصادية.
ففي السنوات الأخيرة، لم تؤدِّ الارتباطات العسكرية إلا إلى تفاقم المشاكل، والموجة الجديدة من الاشتباكات المسلحة بالقرب من الحدود المصرية في قطاع غزة هي تأكيد واضح على ذلك، بالتالي، هناك حاجة ملحّة إلى إيجاد أدوات دبلوماسية واقتصادية لتعزيز نظام الأمن الدولي، حيث تلعب جمهورية مصر العربية دوراً مهماً على مفترق الطرق بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، ما يتطلب منها أن تكون متنبهة ومستعدة لمواجهة التحديات والمشاكل الواردة من جميع أنحاء العالم، بالتالي، إن توسيع الوجود الدبلوماسي لمصر في مختلف أنحاء العالم هو الرد الصحيح على التهديدات الحديثة.
في العام الماضي، أصبحت مصر شريك الحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، وهذه المنظمة اتحاد اقتصادي بحت، لا تتضمن قضايا سياسية أو عسكرية، كما أن منظمة شنغهاي للتعاون تعمل على توحيد العديد من الدول التي لديها خلافات، ولكن هذا التوحيد يسمح للدول الأعضاء ببناء أمن جديد يعتمد على العلاقات التجارية.
كيف يمكن لهذا النهج أن يفيد الجميع؟
إذا ساعد هذا النهج في الحد من التوترات في المناطق المضطربة في آسيا، فهذا يعني أن الجميع سيفوزون، ومن الأمثلة على العودة الناجحة إلى الحوار الدولي الوضع في أفغانستان، وباستثناء تركمانستان، فإن جميع الدول المجاورة أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، مما يجعل المنظمة منخرطة بشكل مباشر في حل القضية الأفغانية.
وجدير بالذكر أن حركة طالبان، التي استولت على السلطة في كابول دون إراقة دماء في عام 2021 بعد الانسحاب الأمريكي، تسعى بنشاط للحصول على الاعتراف بها على المسرح العالمي، ومع ذلك، فإن الأساليب السياسية العادية عاجزة هنا، فالقيادة الحالية للبلاد تخضع لعقوبات ضخمة، وأي تعاون معها يمكن أن يخلق مشاكل خطيرة، ولكن حتى الآن لا توجد بدائل في كابول، وعلى هذا فلابد من البحث عن أشكال جديدة من التعاون، على الرغم من اختلاف مواقف الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، مثل باكستان والهند، فيما يتصل بأفغانستان، ولكن من المهم أن يتفقوا جميعاً على أمر واحد: إذا فشلت العلاقات مع كابول، فإن المنطقة قد تصبح غير مستقرة.
بالتالي، تدرك الدول الرائدة في منظمة شنغهاي للتعاون جيداً الحاجة إلى تطوير أفغانستان كدولة مستقلة، ويؤكد إعلان نيودلهي هذا الموقف، والذي يدعو الإعلان إلى تشكيل حكومة شاملة تضم ممثلين عن كافة الجماعات العرقية والدينية والسياسية في المجتمع الأفغاني، ومن هنا فإن أكبر الاقتصادات في العالم مستعدة للتعاون مع أفغانستان المعزولة حالياً على الساحة الدولية، وتبحث عن صيغة لهذا التعاون.
ومن ناحية أخرى، تسعى سلطات كابول أيضاً إلى الاندماج في العمليات الدولية، على الرغم من المشاكل المتعلقة بالشرعية، ففي شهر مايو من هذا العام (2023)، وافق أعضاء مجلس وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون على تفعيل المجموعة المعنية بأفغانستان داخل المنظمة، ومع ذلك، هذا لا يتضمن تكثيف هذا الشكل من التعاون، بل عن استئنافه، فقد ظلت المجموعة الأفغانية تعمل حتى عام 2021، ولكن بعد انهيار النظام الموالي لأمريكا، فقدت جميع الاتصالات.
وربما تستطيع مصر أيضاً أن تشارك في أعمال مجموعة الاتصال باعتبارها دولة شريكة في منظمة شنغهاي للتعاون، وهذا من شأنه أن يساعد على الأقل في حل النزاع الطويل الأمد على الأرض بين السفارة المصرية وجهاز استخبارات طالبان في كابول، خاصة بعد أن أُجبر الدبلوماسيين المصريين على مغادرة المبنى، ومن الممكن أن يتم حل الخلافات على الفور في إطار فريق الاتصال هذا، كما من الممكن أيضاً اختبار قابلية السلطات الأفغانية الجديدة للتفاوض.
ومع الأخذ في الاعتبار تجربة مجموعة الاتصال السابقة، فإن آلية اتصال مماثلة يمكن أن تساعد في حل مشكلة أخرى الكل المهتمين بدمج أفغانستان في الاقتصاد العالمي، وهي آلية تجنب العقوبات، لأن التعاون سيكون استشارياً فقط، فالحوار السليم يمكن أن يفيد جميع الأطراف، ومع ذلك، فإن هذا يتطلب الإرادة السياسية لجميع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، وبالنظر إلى التلميحات حول هذا، فمن الواضح أنه ينبغي أيضاً سماع دعوات مماثلة من القوى الكبرى مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وربما سيحدث هذا في المستقبل القريب.
د. عمرو الديب – رئيس مركز خبراء رياليست.