تفيد معلومات أن المملكة العربية السعودية وسوريا تعملان “من خلال قنوات خلفية” عبر دولة الإمارات العربية المتحدة للتوصل إلى مصالحة سياسية، طبقاً لمصادر حصلت عليها قناة الجزيرة.
قطع العلاقات
مع بداية الأحداث في سوريا مطلع العام 2011، كانت العربية السعودية من أولى الدول التي سحبت بعثتها الدبلوماسية وأغلقت سفارتها في العاصمة السورية – دمشق، مطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد وإسقاط النظام آنذاك، بالتوازي مع دعم الثوار، وخروج مئات التصريحات من الرياض التي تطالب بذلك، إضافة إلى مطالبتها إلى الآن خروج إيران من المشهد السوري ككل.
فيما تستمر هذه القطيعة لغاية الآن، على الأقل على صعيد العلاقات الثنائية، إلا أن اللافت فيها، أن هناك ليونة في التصريحات الأخيرة، خاصة تلك التي أدلى بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في أكثر من مقابلة صحفية مع قنوات ووكالات أجنبية، فلقد صرح ولي العهد في وقتٍ سابق لمجلة التايم الأمريكية حول مصير الرئيس الأسد، بقوله: “من غير المرجح أن يترك الأسد السلطة”، ولم تكن هذه التصريحات هي الإشارة الأولى، فقد طلبت الرياض من المعارضة السورية المقيمة على أراضيها، التخلص من أعلامها ورموزها ورفع العلم السوري الرسمي بدلاً منها، فكل هذه المؤشرات عكست حقيقةً أن هناك تقارب خفي يُعمل عليه وقد لا تكون بوساطة من دولة الإمارات فقط، فسلطنة عمان المعروفة بحياديتها لربما هي الأخرى كان لها دوراً في ذلك، خاصة وأن وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي سبق وأن زار سوريا مرتين، كان آخرها في 7-7-2019.
الأسباب الحقيقية
إنّ ليونة السعودية لم تأتِ من فراغ، فعندما قررت دولة الإمارات الإنسحاب من التحالف العربي في حربه على اليمن، بعد أن وصلت صواريخ الحوثيين للعمق الإماراتي الذي قد يشكل خطراً كبيراً من الناحية الإقتصادية عليها، فجاء إنسحابها لضمان مصالحها، على الرغم من تأكيد حكومة الإمارات أنها مستعدة لأي تنسيق ومباحثات مع السعودية، إلا أن ضربة أرامكو النفطية هي الأخرى قد غيرت من موقف السعودية في ضوء المستجدات التي طالت عصب إقتصادها أيضاً، دون إغفال القطيعة مع قطر والتي إستثمرتها تركيا وزرعت قاعدة لها في منطقة الخليج، زد على ذلك الصراع المائي في مضيق هرمز وضرب الناقلات النفطية وتوجيه أصابع الإتهام إلى إيران، مع إستغلال واشنطن لذلك أيضاً وإفراغ جيوب الخليج بحجة حمايتهم، فبالنظر إلى كل هذه التطورات تحتاج العربية السعودية إلى ما يعيد لها مكانتها التي خسرتها في أكثر من إتجاه، فإيران لم تخرج من سوريا، ودخلت تركيا إليها وإلى ليبيا وقطر، فما كان من الرياض إلا أن تعيد ترتيب أولوياتها والبداية من دمشق.
صفعة لتركيا
إعتبرت السعودية والإمارات ومصر أن الإعتداء التركي على سوريا، يضر ويمس الأمن القومي العربي ككل، فبينما هذه الدول تحاول كبح جماح تمدد الإخوان المسلمين، تعمل أنقرة على نشرهم سواء في سوريا من خلال النازحين أو في ليبيا من خلال إرسال الجهاديين، وهذا الأمر من شأنه أن يشكل مشكلة حقيقية في العالم العربي خاصة وأن الظروف التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، هي بيئة خصبة ومناسبة لتمدد أي جناح وهذا ما حدث مع تنظيمي القاعدة وداعش وما شابههما.
فقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي لم تًنسَ بعد، خاصة وأن تركيا حمّلت المسؤولية لحكومة الرياض، من هنا جاءت شكوى الرياض للإدارة الأمريكية التي هي حليفة الإثنتين، إلا أنها أبدت موافقتها من عودة العلاقات السعودية – السورية في مواجهة تركيا، ولذلك إن السبب الرئيس من إحياء هذا الأمر هو الإنتقام من النظام التركي، الذي يحتاج إلى قصقصة أطرافه في المنطقة العربية.
من هنا، لا يمكن أن تقدم المملكة العربية السعودية على هذه المبادرة إلا بمباركة أمريكية أو بالأحرى بموافقة من واشنطن، لذلك كانت البداية بترميم مبنى السفارة السعودية في دمشق، يضاف إلى ذلك زيارة وفد صحفي سوري قبل أسبوع إلى الرياض، مع عدة زيارات قام بها اللواء علي مملوك رئيس جهاز الأمن الوطني السوري إلى الرياض، لكن من كان له دور إيجابي في هذا الموضوع هي دولة الإمارات التي شاركت في معرض دمشق الدولي بدورته الـ 61 من العام 2019، وإحتفال سفارتها باليوم الوطني للدولة في دمشق، فكل هذه العوامل تشير إلى إقتراب إحياء العلاقات للوقوف معاً في وجه تركيا أولاً ولترميم منطقة الشرق الأوسط خاصة وأن سوريا على الرغم من أزمتها إلا أن لديها من الحلفاء لا يقلون قوة أو تأثيراً عن حلفاء دول الخليج.
فريق عمل “رياليست”