موسكو – (رياليست عربي): تمتلك روسيا الكثير من الأدوات النافذة التي تُعتبر أيادي لها في العمق الألماني، وهي أدوات بشرية تتعلق بمجريات سياسية وتاريخية ترجع لعقود سابقة بعيدة، وأيضاً أدوات اقتصادية لا تتوقف عند ألمانيا فقط التي تُعتبر “قيادة” الاتحاد الأوروبي، ولكن في جميع أنحاء القارة العجوز.

الأداة الأولى النافذة لروسيا، هي القوة البشرية ما بين الجالية الروسية في ألمانيا أو المواطنين الألمان ذو الأصول الروسية، ويعود وجودهم بشكل عام إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية ومع التواجد العسكري لما كان يعرف بـ”الاتحاد السوفيتي” في الجزء الشرقي لألمانيا وقت سقوط نظام الرايخ الثالث وانهيار حكم الزعيم النازي أدولف هتلر، فتكونت مجتمعات سوفيتية انصهرت في المجتمع الألماني وامتزج فيه تجمعات روسية، تواجدت بحكم استمرار “السوفيت” في ما كان يعرف “ألمانيا الشرقية” قبل وحدتها مع “الغربية” وإعلان ألمانيا الاتحادية مع حلول التسعينات من القرن الماضي.

وما بين انتقال مواطنين روس، للعيش في ألمانيا الشرقية حتى بداية التسعينات واستمرار ذلك مشمولاً بالجمهورية الاتحادية حتى الوقت الحالي، تكونت الجالية الأكبر في ألمانيا وهي “الروسية” على عكس ما هو مُشاع بأن الجالية التركية هي الأكبر في ألمانيا، إذ تعتبر الجالية الروسية أكبر جالية في ألمانيا بتعداد قد يصل إلى 7 ملايين شخص، قاموا بتكوين تجمعات روسية في قلب العاصمة برلين، هامبورغ، فرانكفورت، ومدن وولايات أخرى، وانتشرت عاداتهم وتقاليدهم ومدارسهم وكنائسهم وأيضاً أسواقهم.

وأصبحت ألمانيا، منذ إعادة توحيدها، موطناً لمجتمع كبير سريع النمو من أصل روسي انتقل أفراده إلى ألمانيا كمواطنين كاملي العضوية، وصل في تسعينيات القرن الماضي ما بين 100 ألف إلى 200 ألف روسي بشكل سنوي، ويتقن العديد من الألمان الشرقيين السابقين اللغة الروسية بشكل جيد، ويمتلكون معرفة كبيرة بروسيا، وتحتل اللغة الألمانية المرتبة الثانية بعد اللغة الإنكليزية في المدارس الروسية، ويتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “الألمانية” بمستوى شبه محلي، وتتحدث المستشارة السابقة أنجيلا ميركل “الروسية” بطلاقة.

الأداة الثانية “الروسية” في قلب الداخل الألماني، هي سياسية وانتخابية بالدرجة الأولى، فمع وجود هذه الجالية الكبيرة التي أصبح لها تجمعات سكنية منتشرة لاسيما في شمال وشرق وغرب ألمانيا لها روح “أيدلوجية”، بات هناك “ألمان” من أصول “روسية”، يسيطر عليهم بشكل أو بآخر، ارتباطات تاريخية تحمل ولاءات غير “معلنة” في أحيان كثيرة وهناك الكثير يتحكمون في دوائر انتخابية كاملة، وأشهر تلك الدوائر المتواجدة في إقليم شمال الراين، ودوائر انتخابية أخرى منها دائرة “اسبل كامب”.
الأداة الروسية الثالثة في قلب “ألمانيا” زعيمة الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي بجانب فرنسا بعد خروج بريطانيا، هي التأثير الإعلامي، وذلك يتضح مع وجود وتأثير قناة “روسيا اليوم” التي يزعج بثها داخل الأراضي الألمانية مراكز صنع القرار وأجهزة وأحزاب في ألمانيا، وسط اتهامات لها بأنها “ناطقة باسم الكرملين” ومروجة لسياسات الرئيس الروسي “بوتين” داخل ألمانيا، ليزداد الأمر تعقيداً بخصوص تأثير القناة الروسية بعدما تم إطلاق قناة “روسيا اليوم – ألمانيا”.
وتعتبر “روسيا اليوم” المصدر الرئيسي للأخبار عند مواطنين ألمان من أصول روسية، وتقوم من جهة أخرى، بتشكيل وعيهم وفكرهم كقوة ناعمة، ودائماً ما كانت تسعى دوائر الحكم في ألمانيا، منع بثها في داخل البلاد، وبجانب ذلك، فإن وجود تأثير “روسيا اليوم” في الداخل الألماني، كان أحد أسباب حصول حزب “البديل” ذو الميول القومية المتطرفة في ألمانيا، على المزيد من الأصوات الانتخابية، لاسيما أنها كانت تثير الرأي العام الألماني ذو الأصول الروسية ضد سياسات المستشارة السابقة “ميركل” وحزبها المسيحي الديمقراطي وأيضاً الحزب الاشتراكي الحاكم حالياً، بإيقاظ نبرات تتعلق بالماضي بين ألمانيا وما كان يعرف بـ”الاتحاد السوفيتي”.

الأداة الرابعة التي تعتبر “اقتصادية” من الدرجة الأولى، ما يقدّر بتصدير روسيا لأكثر من ثلث احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي، لاسيما أن ألمانيا تعتمد على القدر الأكبر من الغاز الروسي في صناعتها وعجلة الحياة الاعتيادية ما بين نقل واحتياجات للطاقة، وهو ما يتضح في خط أنابيب الغاز “نورد ستريم – 2” الذي ينقل الغاز الروسي إلى المستهلكين الألمان، ويعد عنصراً حيوياً ومهماً في منظومة الطاقة، بتكلفة تبلغ 10 مليارات يورو، ويبلغ طوله 1230 كيلومتراً ومع تشغيله بطاقته الكاملة فإنه سوف يضاعف حجم تصدير الغاز المباشر من روسيا إلى ألمانيا إلى 110 مليارات متر مكعب سنوياً.
خاص وكالة رياليست.