وصل الرئيس الآريتري، أسياس أفورقي الاحد الماضي، العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا في زيارة رسمية استغرقت ثلاثة أيام وهي الزيارة الثالثة له بعد عودة العلاقات بين البلدين وتوقيع اتفاق سلام أنهى حالة اللاحرب واللاسلم التي استمرت لعقدين من الزمن. وكان في استقبال ، أفورقي، بمطار العاصمة، رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، وكبار المسؤولين في الدولة الأثيوبية، وحملت هذه الزيارة الكثير من الدلالات وخصوصاً أنها جاءت في توقيت تواجه فيه حكومة أبي أحمد الكثير من الالتزامات الداخلية والخارجية.
لقد كانت الزيارة الاولى لأسياس أفورقي في تاريخ 14 من تموز 2018 بداية جديدة في العلاقات بين البلدين، إذ رواج لها النظامين في البلدين بشيء من التفاؤل والأمل، ولكن واجهت عملية الانفتاح وتحقيق التكامل الكامل في العلاقة بين البلدين الكثير من العقبات، وبالخصوص عقبة مجموعة التجراي التي كانت تستغل حالة العداء مع نظام أسمرا في تقويض نفوذ حكمها في أديس أبابا خلال العقود الماضية.
ودائما ما تثير الزيارات التي يقوم بها الرئيس الارتيري أسياس أفورقي للعواصم الإقليمية المختلفة الكثير من اللقط والتحليلات السياسية المتضاربة، وعندما قام افورقي بزيارة العاصمة المصرية القاهرة تحدثت الأوساط البحثية والإعلامية بأنها جاءت لدعم الرؤى المصرية حول قضية سد النهضة الخلافية، ولكن بخلاف ما يتصور للمتابعين أن حقيقة الامر هي أن أسياس افورقي يسعى جاهداً للاستفادة من التناقض المصري الأثيوبي وذلك لغرض تحقيق الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية و الاستراتيجية.
ومنذ أن تسلم أبي أحمد منصب رئيس وزراء أثيوبيا في عام 2018 ، وضع أجندة إصلاحية تضمنت توسيع هامش الحريات المدنية، والإفراج عن السجناء السياسيين، وتحرير الأعمال التجارية، والتعهد بإجراء أول انتخابات حرة متعددة الأحزاب في البلاد. ولكن سرعان ما تحولت طموحات أبي أحمد الإصلاحية الى تخيلات محبوس في ذهنه وذلك بعد تفجر الأوضاع في بعض الأقاليم الأثيوبية، وبعد تردي الحالة الامنية والاقتصادية والسياسية في البلاد قدم أبي الخيارات الأمنية والحلول الخشنة لمواجهة كل الالتزامات، ما اثار الانتقادات الخارجية والداخلية لحكومة في أديس ابابا، ومن ثم اعترى الذبول ظاهرة أبي أحمد السياسية وخفت بريقها بسبب تزيد القبضة الأمنية التي تزايد يوم بعد يوم.
وكما يعاني النظام الأرتيري من أزمات اقتصادية خانقة وضمور سياسي ومجتمعي داخلي، وعلاقات دولية وإقليمية فاترة، كذلك يواجه نظام أبي أحمد في أديس أبابا أزمات اقتصادية واجتماعية، ويعاني من حالة فقدان للشرعية الدستورية، فضلاً عن اضطرابات أمنية واجتماعية في جبهتي الأورومو والتجراي، لذا يتبادل الزعيمان الزيارات الرسمية وذلك في سياق رؤية تخادمية واضحة تدعم مواقف كليهما في الداخل والخارج.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل أبي احمد تأثر بقناعات الدكتاتور الأرتيري أسياس أفورقي، وبدا يطبق نهجه في الحكم، وتخلى عن الرؤى الإصلاحية التي أتت به الى السلطة، ولمعت له حتى منحته فرصة الدخول في نادي الحائزين على جائزة نوبل للسلام، أم لإدراكه تأثير أفورقي على قرار المعارضة السياسية الأثيوبية، لذلك يفضل التماشي معه بحيث يجنب نظامه الهزات الامنية والسياسية الى حين يوطد أركانه سلطته التي بدأت تتأكل بسبب فقدان الشرعية الدستورية.
إبراهيم ناصر- باحث في الشأن الافريقي، خاص “رياليست”.