كشف موقع غلوبال ريسيرش أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك أكثر من 800 قاعدة عسكرية حول العالم، وتعتبر هذه القواعد الأداة الرئيسية لسيطرة واشنطن على العالم بحسب التقرير المذكور.
إحتلال تحت عناوين متعددة
على خلفية وجود أسلحة دمار شامل، إجتاحت الولايات المتحدة الأمريكي العراق في العام 2003، وأسقط نظام حكم الرئيس الأسبق صدام حسين بالقوة، إلى جانب تدمير العراق كاملا، ليتموضع بعد سنوات من تلك الحرب في البلاد، ستة قواعد عسكرية أمريكية، إلى جانب عشرات الشركات تحت عنوان شركات أمنية، وبعض هذه القواعد متمركزة على مقربة من الحدود العراقية – الإيرانية والحدود العراقية – السورية والأردنية، الأمر الذي يعني أن مخطط واشنطن يقضي بتموضع القوات الأمريكية في المنطقة تحت عناوين مختلفة ليس آخرها مكافحة الإرهاب والحرب على تنظيم داعش وغيره من التنظيمات. فالتقديرات الصحافية تشير إلى أن عدد الجنود الأمريكيين في سوريا والعراق حوالي 5000 آلاف جندي، إلا أن الواقع يتحدث عما يفوق هذا الرقم بكثير، فمؤخراً قامت الإدارة الأمريكية بنقل عدد كبير من جنودها إلى قواعدها في سوريا، خلافاً لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان قد قال إنه سيسحب قواته تباعا، مما يؤشر إلى أن واشنطن تتبع سياسة جديدة في منطقة الشرق الأوسط عبر زيادة عدد قواعدها، بحجج كثيرة منها مكافحة الإرهاب.
قواعد غير شرعية
إذاً، معظم القواعد الأمريكية، عبارة عن مراكز تدريب وتخريج عناصر يستخدمونها في القتال تحت مسميات مختلفة، ولعل ما ورد في تقرير سابق على “رياليست بالعربي” حول مخيمات النازحين وفي أجزاءٍ منها عبارة عن مراكز تدريب لعناصر جهادية خير دليل على ذلك.
من هنا، يُفهم أن التواجد الأمريكي في العراق، يأتي على خلفية السيطرة على مقدراته من نفط وغاز وغير ذلك، وليكون أقرب إلى الحدود مع إيران، في ضوء الخلافات المتصاعدة فيما بينهم، هذا الأمر معروف وليس سراً، لكن اللافت أن تواجدهم في سوريا، يثير التساؤلات، فلا تملك سوريا مقدرات كثيرة كالعراق، فضلا عن أن الحالة السورية لا تشبه الحالة العراقية لجهة الولاءات والحكم بحسب الطوائف، إذ لا تزال تتبع نظام مؤسساتي لم يتأثر كثيرا بمجريات الحرب الدائرة في البلاد.
سباق القواعد
سوريا كبلد عربي في الشرق الأوسط، تأتي أهميته ضمن إطار الصراع العربي – الإسرائيلي منذ سبعينيات القرن الماضي، والخلاف حول دعم المقاومة اللبنانية “حزب الله”، فضلا عن التحالف المتين بينها وبين الإتحاد الروسي والصين وإيران، المنافسين الأشد للولايات المتحدة، فتواجد أمريكا في سوريا بالمقام الأول، تحدٍّ لهذه الدول وبالمقام الآخر، خلط الأوراق وإطالة أمد الحرب أو الحل بشروط واشنطن، فضلا عن تأمين الجانب الإسرائيلي في جنوب البلاد، لكن اللافت حاليا، كثرة القواعد الأمريكية في سوريا، خصوصا في شرق الفرات، والتي توسعت مؤخرا لتشمل مناطق كثيرة من الجزيرة السورية في الشمال الشرقي، فإن كان هذا التواجد طمعا في حقول النفط، فالولايات المتحدة دولة منتجة له، ولا تحتاج للنفط السوري، لكن المؤكد أن هناك عملية تبدلات وتغييرات وضعتها واشنطن ضمن مخطط ما للشرق السوري، يتماهى مع الطلب التركي في إنشاء المنطقة الآمنة، التي ستصطدم بحواجز تلك القواعد.
التوسع شرقاً
كشفت معلومات من مصادر أهلية في الشرق السوري، أن الإدارة الأمريكية تعمل على توسعة قواعدها في الشرق من سوريا، وتنشئ أخرى وتنقل جنودها من وإلى هذه القواعد، وبعض هذه القواعد قوام الجنود الأمريكيين فيها لا يتجاوز الـ 50 جنديا، فهناك قاعدة أمريكية جديدة غرب مدينة القامشلي، وتل بيدر، وبجبل الغول “بالقرب من مخيم الهيل” وسد الخابور والشدادي ومنبج في ريف حلب، وتوسعا كبيرا في قاعدة عين عيسى ومواقع أخرى من محافظة الرقة، إلى جانب قاعدتها في التنف، فضلا عن التواجد الأمريكي في مخيمات قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بحجة تدريبها وتأهيلها، كل ما سبق يؤكد أن نية واشنطن البقاء إلى زمن غير معلوم، الأمر الذي ينذر أن لا حلول تلوح في الأفق على المدى القريب.
بالنتيجة، إن الإنتصار السياسي الذي تحدث عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش بتشكيل اللجنة الدستورية، في خطوة أولى نحو الحل السياسي في سوريا، لا شك بأن ذلك خطوة مهمة، لكن غويتريش مع إقتراب نهاية ولايته يبحث له عن إنجاز يفيده شخصيا، أما في مسار الأزمة السورية لا يشكل فارقا كبيرا بما يتعلق بآلية الحل السياسي، فما دامت الولايات المتحدة الأمريكية هي المسيطرة في المنطقة، ولها من التحالفات ما يخلط كل الأوراق وليس معظمها، في ظل تنصل المجتمع الدولي من أولوياته تجاه القضايا الملحة، مبعث يؤكد أن لا حل إن لم يتفق الأطراف الأساسيين في المنطقة، أي الإتحاد الروسي والولايات المتحدة وتركيا.