بعد إعلان نتائج الإنتخابات التشريعية في قيرغيزستان يوم الأحد الماضي، اندلعت مظاهرات للتنديد بنتائج الإنتخابات المثيرة للجدل مساء الإثنين في شوارع العاصمة بيشكيك، علي إثرها حدثت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة، سقط علي إثرها قتيل و120 جريح علي الأقل. وفجر الثلاثاء، اقتحم المتظاهرون مقر الرئاسة والبرلمان ولجنة الأمن القومي، واطلقوا سراح الرئيس السابق ألماظ بك أتامباييف، والذي يعد المنافس الرئيسي للرئيس الحالي سورونباي جينبيكوف.
مصير غامض
لا تزال الصورة المستقبلية للوضع في قيرغيزستان غير واضحة رغم إعلان لجنة الإنتخابات المركزية، إلغاء نتائج الإنتخابات التشريعية، ورغم ذلك لم يهدأ الوضع في البلاد. فمعارضي السلطة ينتمون لأطراف حزبية متعددة، ولم تستقر المعارضة حتي الآن علي صيغة محددة للمطالب، ويبدو أن الطابع الفوضوي هو الأقرب للصورة، بالرغم من أن قرغيزستان، تعد الدولة الوحيدة في آسيا الوسطي، ودول الإتحاد السوفيتي السابق، التي تنعم بالتعددية السياسية.
حتي هذه اللحظة، لم تعلن لجنة الإنتخابات المركزية، عن موعد جديد للإنتخابات التشريعية، والذي ينص دستور البلاد علي إجرائها خلال 45 يوم، وهو ما يزيد من صعوبة التنبوأ بمستقبل العملية السياسية بالبلاد.
تصاعد إحتمالات الإطاحة بالرئيس جينبيكوف
رغم إعلان الرئيس جينبيكوف أمس الثلاثاء، أنه لا يزال يسيطر على الوضع في البلاد، وأن الأحزاب السياسية ستضع مصلحة البلاد فوق مصالحها الخاصة، إلا أن حدة المظاهرات لاتزال في ارتفاع ملحوظ، خاصة مع إطلاق المعارضة سراح الرئيس السابق أتامباييف. وتزايد الضغط علي الرئيس جينبيكوف، مع تقديم رئيس الوزراء كوبات بك بورونوف لإستقالته مساء أمس الثلاثاء، والمعروف بقربه من الرئيس الحالي، ليخلفه في المنصب سياسي كان مسجونا وحرره الاثنين متظاهرون كانوا يحتجون على نتائج الانتخابات التشريعية وهو “سادير جاباروف”، حسب ما أعلنه المكتب الإعلامي للبرلمان.
تخوف روسي
كانت الخارجية الروسية قد عبرت، عن اهتمامها بضمان الإستقرار السياسي لقيرغيزستان، بصفتها شريك استراتيجي ودعت الأطراف لضبط النفس، واللجوء للحل السياسي. ويعكس ذلك، قلقا روسيا كبيرا، من أن يؤدي تزايد حدة الصراع في البلاد، لتقليص النفوذ الروسي في اسيا الوسطي، خاصة وأن الرئيس جينبيكوف من حلفاء موسكو البارزين في المنطقة، وقرغيزستان بشكل عام هي أحد أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي، والتي تضم كلا من (روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وقيرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان)، بالإضافة إلي القاعدة الجوية الروسية في قيرغيزستان والتي افتتحت في عام 2003 وتعتبر أحد المكونات الجوية لقوات الرد السريع المشتركة لقوات منظمة معاهدة الدفاع الجماعي، وتشارك في حماية الأجواء التابعة للدول الأعضاء في المنظمة.
في الوقت الذي تواجه فيها الدبلوماسية الروسية، أزمات أخري في محيطها الإقليمي، علي رأسها الحرب في إقليم “ناغورنو كارباخ” بين أرمينيا وأذربيجان المدعومة من أنقرة، بالإضافة إلي الأزمة في بيلاروسيا والتي بدأت حدتها تهدأ، ولكنها لم تنتهي بعد.
وتدرك موسكو جيدا، خطورة أن تتحول قرغيزستان والعمق الإقليمي الروسي لساحة للإستقطاب الدولي، خاصة من جانب تركيا التي تترأس مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية، والذي يضم كلا من أذربيجان وقرغيزستان وكازاخستان، إضافة إلي المساعدات التي تقدمها تركيا لجماعات الإسلام السياسي هناك وعلي الجانب الأخر، الولايات المتحدة التي تمتلك حجم كبير من النفوذ في اسيا الوسطي، خاصة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، ولاسيما انها كانت تمتلك قاعدة عسكرية في مطار ماناس في قرغيزستان منذ عام 2001، حتي إغلاق القاعدة رسميا في عام 2014، وتخشي موسكو أن تتسبب الأوضاع في قرغيزستان في السماح بعودة الولايات المتحدة من جديد لتضييق الخناق علي روسيا في عمقها الإقليمي.
اسلام عبدالمجيد- باحث سياسي، خاص “رياليست”