قد تعتقد أن هذه العنوان مبالغ فيه، ولكن بالنظر إلى تاريخ تدني مستوى الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي
كل 1 $ =1.48 TL في عام 2011
كل 1 $ =3.50 TL في عام 2016
كل 1 $ =6.14 TL حتى تحرير هذا المقال 25 فبراير 2020
عندما تنخفض قيمة شيء ما لمدة 9 سنوات ما الذي يمكننا أن نقول عنه؟
يمكننا أن نقول مجازاً (حتى المال له “ثمن”) قد يكون هذا المفهوم غريباً، ولكن في الواقع الليرة التركية تستمر في الانخفاض.
كما هو الحال مع جميع الظواهر الاقتصادية، يمكن أن تصيب قيمة العملات فوضى معقدة، يصعب فهمها لأنها تتأثر بالعوامل والجهات الفاعلة فيها، يمكن معالجة مشاكل العملة عن طريق بعض الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي لبلد ما، ولكن هذه الإجراءات قد تكون ذات تأثير محدود أيضاً ويمكن تنفيذها لفترة قصيرة فقط.
المستثمرون قلقون من أزمة الليرة
لماذا يجب علينا كعرب أو أجانب سواء كنا مستثمرين في تركيا، مهتمين بالشأن التركي أو متعاطفين مع هذا البلد أن نقلق من تذبذب الليرة؟
من المعلوم أن عملة أي بلد تتأثر بالسياسات الداخلية للبلد وبسياسات العالم أيضاً، عندما تنخفض قيمة الليرة التركية تصبح الحياة أصعب داخل تركيا والاستيراد سيكون مكلفاً (الطاقة / الوقود على وجه الخصوص لأن ذلك يؤثر على أسعار كل شيء).
في الوقت نفسه يصبح دفع المال المُقترض من المصادر الدولية أغلى بالنسبة للحكومة (وتركيا لديها ديون خارجية).
وهنا يأتي السؤال، ما الذي يسبب أزمة اقتصادية لأي بلد؟
ـ البلد يقترض أموالاً من الخارج ( البنك الدولي ـ دول أخرى)
ـ انخفاض قيمة العملة بسرعة أمام العملات الأجنبية.
ـ “أن يشعر المستثمر بعدم اليقين بسياسات الحكومة”.
وتجدر ملاحظة أن آخر سبب مثير للاهتمام ويعكس شيئاً من الوضع الحالي لتركيا لماذا؟
ـ لقد اختارت تركيا القتال في سوريا وهي تحرق الأموال على الحرب خارج حدودها.
ـ في تركيا السياسة الاقتصادية والمالية تُمليها الاعتبارات السياسية، ففي 2018 رأينا كيف ضغطت أمريكا على تركيا على خلفية احتجاز القس الأمريكي، وفرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوم مضاعفة على الصلب والألمنيوم التركي وهدد بالعبث بالليرة، تصريحات ترامب أدت إلى تدني مستوى الليرة إلى 7.24 مقابل الدولار.
ـ الجيش التركي اليوم في ليبيا التي تعاني من الفوضى، والعلاقات التركية متوترة مع قبرص ومصر وإسرائيل حول الوصول إلى الموارد البحرية (النفط والغاز) في شرق البحر المتوسط.
ـ بناء قواعد عسكرية في بلدان أخرى ونأي تركيا عن الحلفاء في حلف الناتو من خلال مغازلة روسيا، كل هذه العوامل أثّرت بقوة على الليرة التركية المتذبذبة منذ أكثر من عقد.
هل يفقد آردوغان دعمه؟
تسعى تركيا للقيام بمشروعات ضخمة مثل استكمال مطار اسطنبول الثالث، وقناة اسطنبول التي من شأنها أن تخلق نقلة نوعية في الاقتصاد التركي ولكن هذه المشاريع بحاجة لموارد، مال، ووقت.
بكل تأكيد تركيا لها حساباتها وتدابيرها السياسية والاقتصادية ولكن إلى متى سيبقى الرئيس رجب طيب آردوغان يبرر أسبابه أمام شعبه خاصة في ظل وجود معارضة تتصيد له الأخطاء (بالرغم من تخفيض سعر الفائدة في البنوك 10.75% يوم الخميس الماضي19/2/2020)، هذا الأمر إذا استمر سيمهد الطريق لمزيد من المشاكل في المستقبل، وقد يؤدي إلى فقدان الدعم السياسي لآردوغان.
بالعودة إلى بداية المقال وإلقاء نظرة على التواريخ سندرك أن انخفاض الليرة يتوازى تماماً مع سياسة تركيا الخارجية.
يمكننا أن نقول في نهاية المطاف: إن أعداء تركيا ممن لم يستطيعوا إضعافها في السياسة الخارجية يحاولون إضعافها في الاقتصاد آملين أن يندفع الرئيس آردوغان لارتكاب أخطاء في السياسة المالية للبلاد، مما سيؤثر على شعبيته وبالتالي على خططه ومشاريعه الكبرى واستحقاقاته القادمة، وبرأيي ليس أمام الرئيس وحكومته اليوم إلا العمل على استراتيجية سياسية واقتصادية تحقق استقراراً نقدياً لتركيا وتزيد من ثقة المستثمر الأجنبي في هذا البلد.
خاص وكالة “رياليست” – الأستاذ فراس الراعي – كاتب وصحفي سوري .