باريس – (رياليست عربي): رغم اختلافنا مع كثير من سياسات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلا انه يخرج علينا بين الحين والآخر بمفاجأة سياسية أحياناً تثير الدهشة والتعجب، وأوقات أخرى تجعلنا نثني على تلك السياسات، ولكن هناك شبه إجماع على أن الرئيس التركي يلعب السياسة بحنكة ودهاء يحسد عليه، وأنه يجني من مواقفه السياسية غنائم ومكاسب كثيرة، ودائماً ما يصطاد سرب من الطيور بحجر واحد.
ويتجلى ذلك بوضوح من مواقفه من الصراع الأمريكي والروسي والأوكراني والصيني والأوروبي والخليجي الإيراني، وآسيا الوسطى ودول البلقان، والوضع في سوريا وليبيا والبحر المتوسط، وترسيم الحدود واليمن والقرن الإفريقي والعراق.
فهو يحصل على مكاسب سياسية واقتصادية وتمويلية وتجارية كبيرة.
فك شيفرة ولغز الاتفاق بين حلف الناتو وتركيا والسويد
بعد 18 شهراً من الجمود، وافقت تركيا أخيراً يوم الاثنين على التصديق على انضمام السويد إلى الناتو، مقابل قانون مكافحة الإرهاب وحرية التنقل والعبور.
وبعد مصافحة طويلة وابتسامات مدركة للاحتفال بـ “يوم تاريخي”، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون أمام الصحافة العالمية، في وقت مبكر من مساء الاثنين الماضي، ـ 10 يوليو، لإضفاء الطابع الرسمي على دعم تركيا لانضمام السويد إلى الناتو.
ورحب رئيس الحلف بهذه الخطوة، والذي صرح: “تفيد أمن جميع حلفاء الناتو في هذا الوقت الحرج، إنها تجعلنا جميعاً أقوى وأكثر أماناً”.
يجب أن تصبح السويد الآن بسرعة العضو الثاني والثلاثين في الناتو، بمجرد موافقة البرلمان التركي وكذلك من قبل المجر، التي أعلنت بالفعل عن دعمها.
يمثل الإعلان عن هذا الاتفاق خاتمة 18 شهراً من المفاوضات الصعبة بين ستوكهولم وأنقرة، والتي كانت قد اشترطت في البداية الضوء الأخضر لتسليم عشرات الناشطين من اللاجئين الأكراد في السويد.
تشديد تشريعات مكافحة الإرهاب
ضاعفت تركيا في السنوات الأخيرة طلبات تسليم المطلوبين إلى دول أوروبية للقبض على هؤلاء النشطاء الذين تعتبرهم تهديداً، دون نجاح يذكر، على الرغم من أن حزب العمال الكردستاني معترف به كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأوروبية، فإن حزب العمال الكردي يخشى أن مقاتليه لا يتلقون محاكمة عادلة في تركيا.
في 30 مارس 2023، وافقت أنقرة أخيراً على عضوية فنلندا مع استمرار التفاوض مع السويد.
وتؤكد الاتفاقية الموقعة على عمل السويد في “معالجة المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا”، في نوفمبر 2022، عدلت ستوكهولم دستورها لتشديد تشريعات مكافحة الإرهاب قبل تمرير قانون جديد في مايو يحظر الأنشطة المرتبطة بالجماعات المتطرفة، وبعد شهر، أعلنت الحكومة عن تسليم أحد أنصار حزب العمال الكردستاني، المدان في تركيا بتهمة تهريب المخدرات، أخيراً، قبل أيام قليلة من القمة، حكمت المحاكم السويدية على تركي من أصل كردي بالسجن لمدة أربع سنوات ونصف بتهمة “محاولة تمويل الإرهاب” لحزب العمال الكردستاني.
ورحبت أنقرة بالعديد من القرارات التي تعهدت السويد “بمواصلة الحرب ضد الإرهاب” فيها، وفشلت في إصدار أوامر بتسليم عشرات المطلوبين في البداية من قبل رجب طيب أردوغان.
تكامل الاتحاد الأوروبي وتحرير التأشيرات ورفع القيود المفروضة عليها
هذه هي المفاجأة الكبرى لهذه الاتفاقية، ينص النص على أن “السويد ستدعم بنشاط الجهود المبذولة لتنشيط عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”، كمرشح منذ عام 1987، كان على البلاد الانتظار حتى عام 2005 لبدء المفاوضات مع الاتحاد، لكن هذا المنظور، الذي نوقش بالفعل بسبب الموقع الجغرافي للبلاد ونزاعها مع قبرص، تراجع في السنوات الأخيرة بسبب تصلب نظام أردوغان، بعد محاولة الانقلاب عام 2016.
منذ ذلك الحين، بين قرب أنقرة من موسكو والنزاعات المتعلقة بأزمة الهجرة، لم يكن هناك توافق في مواضيع ونقاط الخلاف بينهم.
“التنشيط لا يعني الكثير” خاصة وأن “الأوروبيين محرجون للغاية من هذا الترشح الذي ظل مطروحاً على الطاولة منذ عقود”.
يتضمن القسم الخاص بالانضمام نقطتين على وجه الخصوص: “تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وتحرير التأشيرات”.
ويذكر أن هذان المطلبان يظهران بانتظام في الخطاب التركي”، “تحرير التأشيرات على وجه الخصوص هو موضوع حساس للغاية في تركيا، في الوقت الحالي، إنه مطلب حقيقي للرأي العام التركي وسيتمكن رجب طيب أردوغان من عرضه على ناخبيه على أنه انتصار لأن المزيد والمزيد من الأتراك يشكون من عدم القدرة على السفر والتنقل داخل الاتحاد الأوروبي “.
وبالتالي، فإنها نقطة جيدة بالنسبة للرئيس التركي، حتى لو كانت الاتفاقية الموقعة يوم الاثنين تلزم السويد فقط.
وليس هناك ما يشير في هذه المرحلة إلى أن مطالبها ستلقى الدعم من الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي.
التسليح العسكري
أخيراً، من بين الجوانب المتعلقة بالضمانات الأمنية، استئناف تصدير الأسلحة إلى تركيا، الذي أعلنت عنه السويد في سبتمبر 2022، وقد توقفت عمليات التسليم هذه، والتي تتعلق أساساً بالمعدات الإلكترونية والدروع والبرمجيات والمساعدة الفنية، في عام 2019، بعد توغلها في سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية.
على المستوى العسكري، هناك جانب آخر، أكثر أهمية بكثير، كان سيؤثر على الميزان: تسليم طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-16 إلى تركيا، في اليوم التالي لإعلان الاتفاق بين تركيا والسويد، أكد المستشار الأمني لجو بايدن، جيك سوليفان، أنه يريد المضي قدماً في إرسال هؤلاء المقاتلين “بالتشاور مع الكونغرس ووزارة الأمن القومي الامريكية والحكومة التركية.
مما سبق تناوله يتضح أن السياسة التركية الخارجية تحقق نجاحات جيدة، وتخفف من حدة الأزمات المالية والاقتصادية والتجارية التي يعاني منها المواطن التركي، وأهمها التدهور المستمر في قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وتزايد نسبة التضخم والبطالة، والتي دللت عليها نسبةً الأصوات الضئيلة التي حسنت فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.