أربيل – (رياليست عربي): خلال زيارة للعاصمة السورية يوم الجمعة 3 يناير، التقت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ونظيرها الفرنسي جان نويل بارو مع أحمد الشرع، المعروف باسم محمد الجولاني، رئيس الإدارة السورية الجديدة، في قصر الشعب بدمشق. امتنع الشرع مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية، في خطوة لافتة تعكس توجهات سياسية وموقفًا ذا أبعاد رمزية. في سياق العلاقات الدولية، تعد الإشارات الرمزية والسياسية أداة قوية للتعبير عن المواقف والقيم.
تفاصيل اللقاء
في هذا الاجتماع، نقل الوزيران رسالة متفائلة بحذر إلى حكومة هيئة تحرير الشام الجديدة، وحثاها على ممارسة الاعتدال واحترام حقوق الأقليات. يُعد هذا اللقاء الأول من نوعه الذي يجمع الإدارة السورية الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام مع مسؤولين غربيين على هذا المستوى. بعد الاجتماع، صرحت وزيرة الخارجية الألمانية “أن أوروبا لن تقدم الدعم المالي للهياكل الإسلامية الجديدة” دون ضمانات واضحة. “كما شددت على أهمية ضمان أمن للکرد”، و”أكدت ضرورة إشراك جميع الطوائف في عملية إعادة الإعمار”. ولفتت إلى “أن حقوق المرأة ليست فقط مسألة حقوق فردية، بل هي مؤشر على مدى حرية المجتمع بأسره”.
دلالات الحادثة
رفض أحمد الشرع مصافحة أنالينا بيربوك لم يكن مجرد تصرف بروتوكولي، بل يحمل أبعادًا سياسية واضحة:
- إعادة صياغة الصورة العامة: يبدو أن الجولاني يسعى من خلال هذا التصرف إلى إعادة تقديم نفسه كزعيم سياسي مستقل، بعيدًا عن التصورات التقليدية التي تربطه بالإرهاب.
- رسالة للمجتمع الدولي: الامتناع عن المصافحة يُظهر رفض الجولاني لأي تطبيع مع القوى الغربية التي تعتبره شخصية مثيرة للجدل، ما يعكس استمرار العداء بينه وبين هذه الدول.
- تعزيز الدعم المحلي: قد يكون هذا التصرف محاولة لتعزيز موقفه بين أنصاره، مظهرًا استقلاله عن النفوذ الدولي.
ردود الأفعال
أثار هذا الموقف تباينًا في التفسيرات. اعتبره البعض محاولة لتقديم صورة جديدة عن الجولاني كزعيم مستقل، بينما رأى آخرون أن التصرف يعكس استمراره في نهج متطرف يعمق عزلته الدولية.
من جهتها، أكدت أنالينا بيربوك أن المواقف الأخلاقية والسياسية لألمانيا لن تتغير بسبب مثل هذه التصرفات. وأشارت إلى التزام بلادها بمكافحة الإرهاب ودعم حقوق الإنسان في المنطقة.
تأثير التصرفات على العلاقات مع أوروبا و السلم الداخلي
تصرف أحمد الشرع بعدم مصافحة أنالينا بيربوك يحمل أبعادًا كبيرة على العلاقات بين القوى الغربية والمنطقة. هذا التصرف يعكس رفضًا للتطبيع مع الدول الأوروبية التي تعتبر هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية. كما أن امتناع الجولاني عن إظهار الاحترام للوزيرة الألمانية يشير إلى عدم استعداد لهذه الأطراف للتوصل إلى تسوية أو تفاهم مع القوى الغربية. هذا الموقف قد يؤدي إلى مزيد من التوترات في العلاقات بين أوروبا وأطراف محورية في النزاع السوري.
من جهة أخرى، إذا كانت القوى الغربية مثل ألمانيا جادة في دعم حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب في المنطقة، فقد يزيد هذا التصرف من تعقيد جهودها في دفع عملية السلام قدماً. الدول الأوروبية قد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه الأطراف المحلية في سوريا، مما يطيل أمد الصراع بدلاً من التوجه نحو الحلول السلمية.
تأثير التصرفات على إعادة السلم في سوريا: التصرف الرمزي الذي أقدم عليه الجولاني يفاقم التحديات التي تواجه عملية السلام في سوريا. في وقت تسعى فيه القوى الدولية لتقديم الحلول السياسية وتقليل التصعيد، يعد هذا الموقف خطوة في الاتجاه المعاكس، إذ يعكس تمسك الجولاني بمواقفه السياسية المبدئية، والتي قد تؤدي إلى إعاقة الجهود الدولية نحو إعادة السلم والاستقرار في سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، قد يزيد هذا التصرف من تعميق انقسامات المنطقة، حيث يظهر الجولاني استمراره في مسار بعيد عن التسوية السياسية، مما يعزز حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. بينما قد تواصل القوى الغربية دعم مجموعات المعارضة المعتدلة، فإن هذا الموقف قد يؤدي إلى تقليص فرص التوصل إلى تسوية شاملة تكون فيها كل الأطراف، بما في ذلك الأكراد والطوائف المختلفة، جزءًا من الحل النهائي
الختام
يعكس رفض أحمد الشرع مصافحة أنالينا بيربوك تعقيد المشهد السياسي في النزاع السوري. هذا الموقف ليس مجرد تصرف فردي، بل هو جزء من استراتيجية سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل صورة الجولاني ودوره في المنطقة. ورغم هذه التحديات، يبقى التمسك بالمبادئ الأخلاقية من قبل القوى الدولية ضرورة لمواجهة مثل هذه المواقف بفعالية.
خاص وكالة رياليست – کاوە نادر قادر – باحث سياسي – كردستان.