نيويورك – (رياليست عربي). وصفت كريستينا دوبريه، المديرة التنفيذية في شركة التكنولوجيا العقارية Tailorbird، عملها كرئيسة أركان بأنه أشبه بـ«إدارة حانة أكثر من كونه وظيفة مجلس إدارة».
وقالت: «كنت أُشرف على كل شيء — أرحب بالناس، أسأل عن سبب وجودهم، أضمن أن يغادر الجميع سعداء، وأحيانًا أضطر لتوبيخ البعض عندما يتجاوزون الحدود».
في الواقع، كانت دوبريه تدير أولويات المدير التنفيذي تيم كانتويل، وتقرر ما يصل إلى مكتبه، وتعمل كشريك استراتيجي له، وتوجه الموظفين الجدد. وأضافت: «مهمتي كانت حماية العلامة التجارية — وفي حالتي، كانت تلك العلامة هي تيم نفسه».
ويشهد منصب “رئيس الأركان” (Chief of Staff) طفرة في عالم الشركات، إذ أصبح أحد أكثر المناصب طلبًا في الإدارة العليا. فوفقًا لجمعية رؤساء الأركان، 65% من الرؤساء التنفيذيين في قائمة Fortune 500 لديهم رئيس أركان، فيما أن واحدة من كل أربع شركات ناشئة في مرحلة التمويل “Series B” أنشأت المنصب حديثًا. أما شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت، فتوظف مئات الأشخاص في هذا الدور عبر أقسامها، مع ارتفاع الطلب في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، خصوصًا في الهند وألمانيا.
من قصور الحكم إلى قاعات الاجتماعات
كان المنصب في الأصل مرتبطًا بالرؤساء ورؤساء الحكومات والجيش، لكن انتقاله إلى قطاع الأعمال يعكس حجم الضغط المتزايد على الرؤساء التنفيذيين في ظل توسع الشركات عالميًا وتزايد التدقيق من المستثمرين والمخاطر المتعلقة بالسمعة.
وقال ترينت سميث، رئيس جمعية رؤساء الأركان: «لا يمكنك تمرير المزيد من القرارات عبر شخص واحد دون إبطاء المؤسسة أو الإضرار بعملية اتخاذ القرار».
ويُنظر إلى رؤساء الأركان في الشركات كأشخاص ذوي نفوذ فعلي — حراس البوابة والمستشارون والمشرفون على التركيز الاستراتيجي — وغالبًا ما يقودون مشاريع خاصة أو وحدات أعمال كاملة. وتشير الدراسات إلى أنهم باتوا أكثر انخراطًا في إدارة الاتصال والسمعة في وقت يتعرض فيه الرؤساء التنفيذيون لضغط إعلامي دائم.
وأضاف سميث: «عليهم أن يقولوا الحقيقة للسلطة، وأن يقودوا دون امتلاك سلطة رسمية. إنه أحد أصعب المناصب في المؤسسة».
“درع الحماية” للرؤساء التنفيذيين
في جي بي مورغان تشيس، تعمل جودي ميلر رئيسة أركان للمدير التنفيذي جيمي دايمون منذ عام 2007، ترافقه في سفره وتدير جدول لقاءاته. وفي غوغل، شغلت آن هيّات المنصب لأكثر من عقد إلى جانب إريك شميت، بعد أن عملت سابقًا مع جيف بيزوس في أمازون.
وقالت هيّات: «أنت بمثابة درع واقٍ تمتص الضغط حتى يتمكن الرئيس التنفيذي من التركيز على الرؤية بعيدة المدى».
وأشارت إلى أن المنصب يتطلب تفرغًا تامًا واستعدادًا دائمًا، مضيفة: «وقتك ليس ملكك. في عالم التكنولوجيا، إن لم تستطع مواكبة الإيقاع، فستخسر مكانك».
ويعتمد كبار المديرين التنفيذيين في شركات مثل ميتا وسيلزفورس ويونيليفر وإتش إس بي سي على رؤساء الأركان لتنسيق الاستراتيجيات المعقدة عبر الأقاليم. وفي شركة بي بي البريطانية، يُعتبر المنصب طريقًا سريعًا نحو القيادة العليا.
العامل الخفي منخفض الأنا
يقول أندرو غودمان من شركة ماكينزي إن رؤساء الأركان الناجحين «يجمعون بين الطموح والسرية»، مضيفًا: «هم يجعلون المؤسسة تعمل بشكل أفضل، لكن انتصاراتهم غير مرئية».
أما رجل الأعمال البريطاني برينت هوبرمان فاختصر المواصفات المطلوبة في منشور عبر لينكدإن: «رائد، فضولي، سريع التعلم — والأهم، متواضع الأنا».
ورغم صعود المساعدين المدعومين بالذكاء الاصطناعي، يؤكد الخبراء أن المكون الإنساني للوظيفة — الذكاء العاطفي، والدبلوماسية، والثقة، والحكم السليم — لا يمكن استبداله بالتقنية.
واختتمت هيّات بالقول: «تحتاج إلى أذكى الأشخاص وأكثرهم مصداقية، لكن أيضًا إلى أولئك الذين لا يمانعون البقاء في الظل. نحن الأشخاص غير المرئيين».





