القاهرة – (رياليست عربي): حققت الفنانة المصرية القديرة كريمة مختار، شهرة كبيرة ليس في مصر صاحبة التعداد السكاني الأكبر في المنطقة العربية، ولكن هذه الشهرة انتشرت في دول شمال أفريقيا والخليج والشام ولبنان والعراق، ليس فقط لأدوارها في السينما والدراما والتي كانت أشهرها فيلم “الحفيد”، ولكن أيضا الحملات الدعائية ضمن الخطة القومية التي خرجت في السبعينات بعد حرب أكتوبر على يد قرينة الرئيس المصري جيهان السادات واستكملت مع “سوزان” قرينة الرئيس الأسبق حسني مبارك التي وقفت ورائها بكل قوة من 1981 حتى عام 2011.
ظهر الانفجار السكاني واضحاً في مصر، في ظل عدم القدرة على تلبية الاحتياجات مع الظروف الاقتصادية وعدم قدرة الدولة على أن تستمر في دور “بابا وماما” للمواطن وأن تكون البلد مسؤولة عن الأكل والشرب والتعليم والعلاج عبر تقديم الدعم منذ العصر الملكي وهو الدور الذي تم ترسيخه بقوة مع نظام جمال عبد الناصر، ولكن مع “الانفتاح” الذي جاء به الرئيس المصري أنور السادات، كان المطلوب أن يتم “فطم” المواطن وأن يتحول من طفل لا يستطيع أن يعيش بدون الدولة أو “بابا وماما”.
الحملة من البداية كان لها هدف معين لم يفهمه القائمين عليها بقدر وعي الفنانة “كريمة مختار” بأن الرسالة هي تنظيم الأسرة وليس “إبادة الأسرة”، وأن المطلوب أن من ينجبون أبناء يصل أعدادهم إلى 20 طفل، يجب أن يتفهموا أن ذلك سيكون قاسياً ومتعباً على الأم والأم قبل أن يكون ذلك مسؤولية تتضاعف على الدولة وحاكمها.
لنا في فيلم “الحفيد” أسوة ضمن هذا الإطار، فتخرج “كريمة مختار” تتحدث عن ضرورة الانجاب مبكراً للزوجين، وأن المجيء بطفل أو اثنين ليس الكارثة، وأن هناك فارق بين مزايا الإنجاب بدون تأخير مقصود يصل لسنوات كما كانت “الموضة التي يروج لها، حتى يحظى الأطفال برعاية حقيقية من الأب والأم وقت شبابهم، قائلة مثلها الشعبي :” أولاد الشيبة يتامى”، فتجد أبنائها طلاب الجامعة، يسخرون منها بضرورة أن يتم تغيير هذا الموروث الاجتماعي، وأن التوجه الوطني هو عدم الإنجاب، ولكن الحقيقة أن الرسالة هي الإنجاب بما يناسب قدرتك على تربيتهم بطفل أو اثنين وليس كما كان 20 طفلاً في العائلة الواحدة.
حملة “حافظ مش فاهم” ومن يريدون إرضاء سيدة مصر الأولى سواء جيهان ومن بعدها من استكملت المسيرة في هذا الصدد “سوزان مبارك”، غالوا دون الوقوف عن أن هناك فارق كبير بين تنظيم الأسرة أو تحديد النسل أو الاكتفاء بطفلين أو أو أو، وبين أن “الموضة” هي عدم الإنجاب، وكثيراً ممن ساروا وراء هذه “التقليعة” يندمون بعد أن وصلوا إلى عمر “الأربعين” دون إنجاب، يتمنون طفلاً وفي نفس الوقت يتخوفون على مستقبله عندما يصبح بمفرده مع رحيل الأب أو الأم بفعل متاعب الحياة أو ما هو محصور بالعمر الافتراضي للإنسان.
تعامل الكثيرون بالفكر الأوروبي ما بين التحرر، وأن هناك أهمية بضرورة أن تنتبه المرأة إلى مستقبلها أولاً، وأن يراعي الشاب تأسيس حياته ويحقق نجاحات عملية في مهنته أو وظيفته، وأن الزواج ومن ثم الإنجاب سيكونوا هم العائق أو النجاح منقطع النظير سيكون بدونهما، وأن الحرية لن تكون قائمة أيضاً في حضور الزوجة والأبناء، ولكن ما هي الحرية المطلوبة ضمن هذا المعنى؟!
بالطبع الكتيبة الواقفة وراء “جيهان” ممن يعرفون بـ”مجلس حكماء النظام” ومن يروجون لأنفسهم على أنهم القائمين على الهدف السامي “أحلام سيادتك أوامر”، أخرجوا “الحملة” من هدفها باسم “التحضر” وأيضاً “حب الوطن”، من رسالة تقدم مخاطر إنجاب الزوج والزوجة لما يصل 20 طفلاً في حين أنها خرجت أساساً للتحديد وليس للعدم!
لم يعرف التاريخ المصري الحديث لاسيما مع العهد الجمهوري، قرينة للرئيس تقوم بدور اجتماعي يشغل فراغها من جهة، ويقوي وجودها في الحديقة الخلفية للسياسة والحكم، لغرض “ما في نفس يعقوب” مثلما حدث مع “الأستاذة” جيهان السادات ومن بعدها “التلميذة” سوزان مبارك التي تفوقت بالفعل على “الأستاذة” بعد أن استكملت مسيرتها في إطار قوانين الأحوال الشخصية وحقوق المرأة وصولاً إلى قانون الخلع لكن الملف الذي ظل قائماً هو تنظيم النسل.
من يقفون على هذا الملف، لم يكونوا في الأساس على دراية بالغرض أو الهدف، الإطار العام هو مواجهة الانفجار السكاني ومن ثم تكون الرسالة الإعلامية والمجتمعية قد تكون في سياق “تحديد النسل” ، ولكن هذه الرسالة تبددت مع من يدعون إلى ضرورة السير مع النسق العالمي وهو ما تم العمل عليه دون تمييز، فإن الرسالة هي تنظيم المجتمع ومن ثم تخفيف الضغط على الأسرة وليس عدم تأسيس الأسرة
خروج الحملة من سياقها أيضاً لم يأتِ بالدور المطلوب، فمن هو مقتنع لأسباب دينية أو اجتماعية بعدم تحديد النسل، لجأ إلى طريق “العناد” وبعدما كان يستهدف أنجاب طفلين أو ثلاثة، وصل به الحال إلى إنجاب 10 أطفال على سبيل المثال، كنوع من مواجهة حملة أنفق عليها مئات الملايين دون هدف واضح، ومن اقتنع بالحملة تحت مظلة “الحداثة” وضرورة “العيش” بـ”حرية”، فشلت حياته وازدادت معدلات الطلاق التي كثيراً ما كانت بين زوجين يعيشون ما بين 3 إلى 5 أعوام، لأنهم افتقدوا عاملاً مهما للاستقرار العائلي وهو “الطفل”.