بروكسل – (رياليست عربي): تشهد الساحة السياسية الأوروبية هذه الأيام تطورات مثيرة مع تصاعد الدعوات لسحب الثقة من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في خطوة قد تغير بشكل جذري خريطة القوى داخل المؤسسات الأوروبية.
ويأتي هذا التحرك في أعقاب سلسلة من القرارات المثيرة للجدل التي اتخذتها فون دير لاين، خاصة فيما يتعلق بسياسة الطاقة والعلاقات مع روسيا والصين، والتي أثارت غضب العديد من الدول الأعضاء.
المصادر المقربة من البرلمان الأوروبي تكشف أن تحالفاً غير مسبوق بدأ يتشكل بين نواب من كتل سياسية مختلفة بهدف تقديم اقتراح بحجب الثقة، وهو ما يمثل تحدياً غير مسبوق لزعيمة المفوضية الأوروبية منذ توليها المنصب عام 2019. وتشير التقديرات إلى أن هذا التحالف يضم أعضاء من الاشتراكيين والخضر، بالإضافة إلى بعض المحافظين المعتدلين الذين يعبرون عن استيائهم من سياسات فون دير لاين الأخيرة.
في قلب هذه الأزمة، تقف عدة ملفات شائكة أبرزها أزمة الطاقة التي تعصف بأوروبا، حيث تتهم فون دير لاين بالفشل في إدارة الأزمة بشكل فعال، خاصة بعد القرارات المتعلقة بحظر النفط الروسي التي أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، كما أن موقفها المتشدد تجاه الصين أثار انتقادات واسعة من الدول الأوروبية الكبرى التي تربطها مصالح اقتصادية كبيرة مع بكين.
من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن هذه الأزمة تعكس صراعاً أعمق داخل الاتحاد الأوروبي حول الرؤية المستقبلية للتكتل، بين تيار يفضل سياسات أكثر تشدداً في الملفات الخارجية، وآخر يدعو إلى نهج أكثر براغماتية يراعي المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء، وتكشف الوثائق المسربة أن بعض الدول الأعضاء بدأت تبحث بشكل جدي عن بدائل لفون دير لاين في حال نجاح تصويت حجب الثقة.
الخبراء السياسيون يحذرون من أن نجاح هذا التحرك قد يؤدي إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي في الاتحاد الأوروبي، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأوروبية المقررة عام 2027، كما أن ذلك قد يعطل العديد من الملفات المهمة مثل سياسة التوسع الشرقي وملف الهجرة، ناهيك عن تأثيره المحتمل على موقف الاتحاد من الحرب في أوكرانيا.
في المقابل، تؤكد الدوائر المقربة من فون دير لاين أنها لا تزال تتمتع بدعم كافٍ داخل البرلمان الأوروبي، وأنها تعمل على بناء تحالفات جديدة لمواجهة هذا التحدي. كما تشير إلى أن العديد من الدول الأعضاء الكبرى مثل فرنسا وألمانيا ما زالت تدعم سياستها العامة، رغم بعض الخلافات على ملفات محددة.
المتابعون للشأن الأوروبي يذكرون أن تصويت حجب الثقة ضد رئيس المفوضية الأوروبية يعد حدثاً نادراً في تاريخ الاتحاد، حيث لم يسبق أن نجح مثل هذا التصويت من قبل. ومع ذلك، فإن مجرد طرحه على الطاولة يعتبر مؤشراً خطيراً على عمق الأزمة التي يعيشها التكتل الأوروبي في هذه المرحلة الحساسة.
في الخلفية، تكشف التقارير عن معركة خفية تدور رحاها بين التيارات السياسية المختلفة داخل المؤسسات الأوروبية، حيث يسعى كل طرف لاستغلال هذه الأزمة لتعزيز مواقعه استعداداً للمعركة الانتخابية القادمة. كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي هذا الصراع إلى إضعاف موقف الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية في وقت بالغ الحساسية.
في النهاية، يبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير أورسولا فون دير لاين ومسار السياسة الأوروبية ككل، فبينما يحاول بعضهم استخدام تصويت حجب الثقة كأداة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية، يرى آخرون أنه قد يكون بداية لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار قد تطول آثارها إلى ما بعد الأزمة الحالية.