بروكسل – (رياليست عربي): تشهد القارة الأوروبية واحدة من أكبر موجات الهجرة في تاريخها الحديث مع استمرار تدفق اللاجئين الأوكرانيين منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن المفوضية الأوروبية، تجاوز عدد الأوكرانيين الذين فروا إلى دول الاتحاد الأوروبي 6 ملايين شخص، مما يضع أوروبا أمام اختبار حقيقي لقدرتها على استيعاب هذه الأعداد الهائلة.
تتركز أكبر الجاليات الأوكرانية في بولندا التي استقبلت أكثر من 1.5 مليون لاجئ، تليها ألمانيا بما يقارب المليون لاجئ. وتشير التقارير إلى أن 90% من اللاجئين الأوكرانيين هم من النساء والأطفال، بعد منع الحكومة الأوكرانية خروج الرجال في سن التجنيد. هذا الواقع خلق ظاهرة اجتماعية فريدة من نوعها، حيث تعاني العديد من العائلات من التفكك بسبب انفصال الأب عن أسرته.
على الرغم من التضامن الأوروبي الكبير في الأشهر الأولى للحرب، بدأت تظهر علامات التعب بين الدول المضيفة. فقد أعلنت عدة دول بما في ذلك بولندا وجمهورية التشيك عن تقليص المساعدات المقدمة للاجئين، مشيرة إلى الضغط الكبير على أنظمتها التعليمية والصحية. وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “يوروباروميتر”، أبدى 58% من الأوروبيين قلقهم من التأثير طويل المدى لهذه الأزمة على اقتصادات بلدانهم.
من الناحية القانونية، منح الاتحاد الأوروبي للأوكرانيين حق الإقامة المؤقتة لمدة ثلاث سنوات مع إمكانية الوصول إلى سوق العمل والرعاية الصحية. لكن التحديات العملية تبقى كبيرة، حيث تواجه العديد من اللاجئات صعوبات في إيجاد فرص عمل مناسبة بسبب الحواجز اللغوية وعدم الاعتراف بالشهادات الأوكرانية.
المفارقة الأكثر إثارة للجدل تكمن في الفجوة بين معاملة اللاجئين الأوكرانيين وغيرهم من الجنسيات. فقد أظهرت دراسة لمركز “ميغرابوليس” الأوروبي أن تكلفة استضافة اللاجئ الأوكراني تزيد بنسبة 40% عن اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا، مما أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان التي تتهم أوروبا بالتمييز العنصري.
على الصعيد الديموغرافي، تستفيد بعض الدول الأوروبية من هذه الهجرة لتعويض النقص في القوى العاملة. ففي ألمانيا مثلاً، دخل أكثر من 300 ألف أوكراني سوق العمل، وساهموا في تخفيف أزمة العمالة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والبناء. لكن الخبراء يحذرون من أن هذه المكاسب قد تكون مؤقتة، إذ أن معظم اللاجئين يعتزمون العودة إلى أوكرانيا حال انتهاء الحرب.
التحدي الأكبر الذي تواجهه أوروبا يتمثل في استدامة الدعم. فمع استمرار الحرب لأكثر من ثلاث سنوات، بدأت مشاعر التضامن تتراجع لتحل محلها المخاوف الاقتصادية. وقد بدأت بعض الأحزاب اليمينية في أوروبا باستغلال هذا الملف لتعزيز شعبويتها، حيث تطالب بتقليل المساعدات المقدمة للأوكرانيين وإعطاء الأولوية للمواطنين المحليين.
في الختام، تتحول أزمة اللاجئين الأوكرانيين من حالة طارئة إلى واقع دائم، مما يتطلب من الدول الأوروبية تطوير استراتيجيات طويلة المدى. فبينما تبرز بعض الآثار الإيجابية مثل تعويض النقص الديموغرافي، تبقى التحديات الاجتماعية والاقتصادية كبيرة. والسؤال الأهم الذي يواجه صناع القرار الأوروبيين: كيف يمكن تحقيق التوازن بين المسؤولية الإنسانية والمصالح الوطنية في ظل أزمة قد تطول سنوات عديدة؟