واشنطن – (رياليست عربي): أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن اقتراب التوصل لاتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني، في تصريحات أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الدولية.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في تجمع انتخابي بولاية أريزونا، حيث أكد أن “الاتفاق الجديد سيكون أفضل بكثير من الصفقة الكارثية التي أبرمها أوباما”، في إشارة إلى اتفاق عام 2015 الذي انسحب منه لاحقاً عام 2018، هذا التصريح المفاجئ يأتي في وقت تشهد فيه المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى حالة من الجمود منذ أشهر، مما يطرح تساؤلات حول مدى مصداقيته وأهدافه السياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية.
تشير مصادر دبلوماسية مطلعة إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت تعمل سراً على مسار تفاوضي موازٍ مع إيران، بعيداً عن أضواء الإعلام. وقد تضمنت هذه المفاوضات السرية نقاطاً أساسية تتراوح بين رفع جزئي للعقوبات مقابل تجميد إيران لأنشطة تخصيب اليورانيوم، وزيادة عمليات التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالإضافة إلى منح ضمانات أمنية لدول الخليج وإطلاق سراح السجناء الأمريكيين في إيران، هذه التطورات تأتي في سياق متشابك من المصالح الدولية والإقليمية، حيث تسعى واشنطن لإيجاد حل للأزمة النووية مع الحفاظ على مصالح حلفائها في المنطقة.
أثار إعلان ترامب ردود فعل متباينة على المستوى الدولي، حيث أعربت إسرائيل عن قلقها العميق من أي صفقة قد تمنح طهران تنازلات، بينما تحفظت دول الخليج على التفاصيل ولم تصدر موقفاً رسمياً بعد، من جانبها، رحبت روسيا بأي خطوة نحو تخفيف التوتر في المنطقة، بينما دعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف للعودة لطاولة المفاوضات. هذه الردود المتباينة تعكس تعقيد الملف الإيراني وحساسيته بالنسبة للتوازنات الإقليمية والدولية.
في حال تم التوصل فعلاً لاتفاق جديد، فإن ذلك سيحمل تداعيات كبيرة على المنطقة قد تغير من خريطة التحالفات والقوى. من بين هذه التداعيات المحتملة تغير موازين القوى في الشرق الأوسط، واحتمالية انفراج في الأزمات الإقليمية مثل اليمن وسوريا، بالإضافة إلى تأثيرات محتملة على أسواق النفط العالمية. كما أن أي اتفاق قد يؤدي إلى إعادة ترتيب تحالفات القوى الإقليمية، مع تداعيات مهمة على الملفات العسكرية والأمنية في المنطقة.
لكن رغم التفاؤل الحذر الذي أظهره ترامب، إلا أن هناك عقبات كبيرة تواجه أي اتفاق جديد. فمن ناحية، تواجه الإدارة الأمريكية معارضة قوية داخل الكونجرس، بينما ترفض التيارات المتشددة في إيران أي تنازلات جوهرية. كما أن دول الجوار الإقليمي تبدي مخاوف جدية من بنود أي اتفاق محتمل، في وقت يبدو فيه التوفيق بين المطالب الأمريكية والإيرانية مهمة شبه مستحيلة. ولا ننسى تأثير الانتخابات الأمريكية على مصداقية أي اتفاق، خاصة مع احتمال تغير الإدارة الأمريكية بعد نوفمبر المقبل.
يطرح الخبراء ثلاثة سيناريوهات رئيسية للمرحلة المقبلة. الأول هو التوصل لاتفاق محدود قبل الانتخابات الأمريكية، والثاني هو فشل المفاوضات واندلاع أزمة جديدة، بينما يتوقع البعض تأجيل الحسم النهائي لحين انتهاء الانتخابات الأمريكية. في كل الأحوال، يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التعقيدات السياسية، حيث تتداخل الملفات النووية مع الحسابات الانتخابية الأمريكية والمصالح الإقليمية المتنافسة.
ورغم أن إعلان ترامب قد يكون مجرد ورقة انتخابية في سياق حملته للعودة إلى البيت الأبيض، إلا أنه يفتح الباب أمام احتمالات جديدة قد تغير خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، فالمسألة النووية الإيرانية تبقى أحد أكثر الملفات تعقيداً في السياسة الدولية، حيث تتداخل فيها المصالح الجيوسياسية مع الاعتبارات الأمنية والاقتصادية، وفي الوقت الذي تسعى فيه الأطراف المختلفة لتحقيق مكاسب من أي اتفاق محتمل، يبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح هذه الجولة من المفاوضات في تحقيق استقرار دائم للمنطقة، أم أنها مجرد فصل جديد في صراع طويل الأمد؟