بكين – (رياليست عربي): في ظل التوترات المتصاعدة بين أفغانستان وباكستان، تبرز الصين كلاعب رئيسي يسعى إلى لعب دور الوسيط بين الجارين المتشاحنين. تأتي هذه الجهود الصينية في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح الاقتصادية والسياسية للصين في هذه المنطقة الحيوية.
تمثل باكستان حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا للصين منذ عقود، حيث تربط البلدين علاقات وثيقة في المجالات العسكرية والاقتصادية. من ناحية أخرى، تطورت علاقات الصين مع حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان بشكل ملحوظ منذ استيلاء الحركة على السلطة في كابول عام 2021. هذه العلاقات المتنامية مع الطرفين تمنح بكين نفوذًا فريدًا يمكنها من خلاله محاولة تخفيف التوترات بينهما.
أحد الأسباب الرئيسية لاهتمام الصين بهذا الملف هو مشروعها الطموح للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، الذي يمثل جزءًا رئيسيًا من مبادرة الحزام والطريق. تمر أجزاء من هذا المشروع الضخم عبر مناطق حدودية متنازع عليها بين باكستان وأفغانستان، مما يجعل الاستقرار في هذه المناطق ضرورة حيوية لضمان نجاح الاستثمارات الصينية.
التوترات الحالية بين كابول وإسلام أباد تركز على قضية الجماعات المسلحة التي تعمل عبر الحدود المشتركة. تتهم باكستان حركة طالبان بتوفير ملاذ آمن لمقاتلي حركة طالبان الباكستانية (TTP)، بينما تنفي أفغانستان هذه الاتهامات. أدت هذه الخلافات إلى تدهور العلاقات الثنائية وإغلاق الحدود بشكل متكرر، مما أثر سلبًا على الاقتصادين الأفغاني والباكستاني.
في هذا السياق، قام الدبلوماسيون الصيون بسلسلة من الاجتماعات المكثفة مع مسؤولين من كلا البلدين. وتشير التقارير إلى أن بكين تقدم نفسها كوسيط نزيه، مع التركيز على الحلول العملية التي يمكن أن تخفف التوترات دون المساس بمصالح أي من الطرفين. من بين المقترحات الصينية المطروحة إنشاء آلية تنسيق ثلاثية لمعالجة مخاوف الأمن الحدودي، وتعزيز التعاون الاقتصادي عبر الحدود.
لكن المهمة الصينية تواجه تحديات كبيرة. فمن ناحية، تختلف الأولويات الأمنية لكل من أفغانستان وباكستان بشكل جذري. ومن ناحية أخرى، فإن قدرة حركة طالبان على السيطرة الكاملة على المناطق الحدودية تبقى موضع شك، بالإضافة إلى ذلك، فإن أي دور صيني مكثف في المنطقة قد يثير مخاوف القوى الإقليمية الأخرى، وخاصة الهند التي تنظر بعين الريبة إلى النفوذ الصيني المتزايد في جنوب آسيا.
رغم هذه التحديات، تبدو الصين مصممة على المضي قدمًا في جهود الوساطة. فبالإضافة إلى حماية استثماراتها في CPEC، تدرك بكين أن نجاحها في التوفيق بين كابول وإسلام أباد سيعزز مكانتها كقوة عظمى فاعلة وقادرة على إدارة النزاعات المعقدة. كما أن أي تقدم في هذا الملف قد يفتح الباب أمام تعاون إقليمي أوسع يمكن أن يفيد المصالح الصينية في آسيا الوسطى وجنوب آسيا.
في النهاية، بينما تبقى نتيجة هذه الجهود الصينية غير مؤكدة، فإن المحاولة نفسها تعكس التوجه الاستراتيجي للصين نحو لعب دور أكثر نشاطًا في حل النزاعات الإقليمية. هذا النهج الجديد، الذي يجمع بين الدبلوماسية الناعمة والمصالح الاقتصادية الواضحة، قد يصبح نموذجًا للدور الصيني المتنامي في الشؤون العالمية.