موسكو – (رياليست عربي): كانت إحدى العواقب غير السارة وغير المتوقعة بالنسبة للعديد من الروس لأزمة العلاقات بين الاتحاد الروسي والغرب هي التدهور الحاد في الحوار بين موسكو وهلسنكي، فعلى مدار عقود عديدة، استثمر الروس بكثافة في الاقتصاد الفنلندي، وتطور التعاون الثقافي، وسمحت سياسة الحياد التقليدية التي اتبعتها حكومات الدولة المجاورة باستمرار بالتفاعل معها دون النظر إلى التركيبات الجيوسياسية لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولكن في لحظة واحدة فقط تمت التضحية بكل هذه الأسس الذي تم وضعها في العهد السوفييتي من أجل التضامن الأوروبي الأطلسي، فقد حاولت الحكومة الليبرالية الشعبوية التي كانت في السلطة في بداية الحزب، الاستفادة من الأزمة الأوكرانية لتعبئة الناخبين والحفاظ على معدلات الانخفاض السريع، لكن المسار الذي تم تحديده العام الماضي لقطع معظم العلاقات مع موسكو لا يزال يتم تنفيذه من قبل حكومة المحافظين التالية بقيادة بيتري أوربو.
كانت الهستيريا التي نشأت في الأسابيع الأخيرة بسبب الزيادة المزعومة في حوادث عبور المهاجرين غير الشرعيين للحدود الروسية الفنلندية متوقعة تماماً، مع الإشارة إلى أن أي عمليات للمهجرين تجري عبر معابر غير شرعية، ولا تمر بالمعابر الشرعية خوفاً من الترحيل ورفض دخولهم، بالتالي، يتعين على الساسة الذين يركبون موجة الخوف من روسيا أن يشرحوا بشكل مستمر للشعب مدى ملاءمة الخطوات المدمرة التالية لتدمير نسيج التعاون الثنائي، حيث أن محاولات اتهام موسكو بخلق نوع ما من أزمة الهجرة هي محاولات سخيفة – في الواقع، نحن نلاحظ فقط مظاهر عدم كفاءة حرس الحدود الفنلندي والجهات المختصة الفنلندية، كما أن حجم الأحداث ذات الصلة يتم تضخيمه بشكل مصطنع.
والواقع أن القرار الذي اتخذته هلسنكي بإغلاق كل المعابر الحدودية مع روسيا تقريباً يتناسب مع اتجاه راسخ منذ فترة طويلة، والذي يتضمن رفض إصدار تأشيرات للروس والدعم الحماسي المتزايد من جانب السلطات الأوكرانية، وهذا يعيدنا إلى سلوك فنلندا في بحر بارنتس/المجلس الأوروبي القطبي الشمالي، برفضها نقل الرئاسة الدورية إلى موسكو، التي انسحبت في النهاية من هذه الرابطة.
بالتالي، يبدو أن الفنلنديين يحاولون بكل قوتهم كسب تأييد واشنطن، التي جرتهم حرفياً إلى الناتو، ومن وجهة نظر عسكرية، فإن دور فنلندا في التحالف صغير، ولكن على أي حال، نجحت هلسنكي بالفعل في إضافة عدد من السفن الرئيسية لسياسة الغرب المعادية لروسيا، وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك العديد من المشاكل والتناقضات الداخلية في الدولة الفنلندية نفسها، والتي أصبحت في الواقع السبب وراء التغيير الأخير للحكومة.
ويبدو أن جميع المشاركين الرئيسيين في العمليات السياسية المحلية يحاولون ربط الناخبين بذريعة المعلومات المناهضة لروسيا، وبالتالي صرف الانتباه عن الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، مع الإشارة إلى أن القادة في السويد يتبعون نفس المسار – فبينما تشهد البلاد زيادة هائلة في الجريمة والعنف المسلح، وتنتقل السيطرة على مدن مثل أوبسالا إلى أيدي العصابات المسلحة، تواصل ستوكهولم التفكير في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والتخلي عن سياسة الحياد.
فليس من الصعب التنبؤ بما ستؤدي إليه مثل هذه الخطوات التي اتخذتها الحكومتان الاسكندنافية على المدى الطويل – فمن أجل الوضع المؤقت، يتم التضحية بسنوات عديدة من العلاقات الودية والتعاون العلمي والحوار الثقافي، ولكن سيكون من الصعب للغاية على شعب البلدين أن تعود إلى ثقتها السابقة، ونتيجة للأحداث الحالية، سيعاني الفنلنديون والسويديون أنفسهم في المقام الأول، في حين نجح المواطنون الروس في التكيف مع الحقائق المتغيرة وتعلموا منذ فترة طويلة إعادة توجيه الطاقة الإبداعية والتجارية إلى مناطق جغرافية أخرى.