موسكو – (رياليست عربي): يمكن قول العديد من الكلمات المختلفة عن رجل الدولة الراحل – الخير والشر، العادل والمتحيز، كما يمكن النظر إلى أنشطته من وجهات نظر مختلفة – من موقف الإنسانية المجردة، والمطالبات العالمية للأوروبية الأطلسية، وأخيراً، بناءً على افتراضات الواقعية الدولية المفضلة لديه.
لكن في هذه السطور القصيرة سنحاول تلخيص سياسته من خلال موقف هذا الدبلوماسي المتميز تجاه روسيا، ببساطة، هل كان صديقاً لروسيا أم كان عدوها الدائم؟ ستظل هناك جدالات حول هذه القضية، يعلم الجميع ويتذكرون أن كيسنجر بدأ سياسة الانفراج مع الاتحاد السوفيتي، لكن الجميع يعلم ويتذكر أيضاً أنه كان أكثر انجذاباً للصين، بالإضافة إلى ذلك، كان هو الذي أدى في النهاية إلى تقسيم الكتلة الشيوعية، ووضع الأسس للمستقبل، التحالف الأمريكي الصيني.
بالإضافة إلى ذلك، لم يكن كيسنجر من كبار المؤيدين لتوسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكن يبدو أنه قال بوضوح شديد في عام 1992 إن طريق روسيا إلى الناتو كان مسدوداً إلى الأبد، لأن الناتو تم إنشاؤه فقط لاحتواء الاتحاد الروسي، بغض النظر عن اسمه، كما رأى كيسنجر بريجنيف شريكاً، لكنه كان أيضاً متشككاً جداً بشأن صداقة ريغان مع غورباتشوف، ولم يبد قط مبتهجاً بشكل خاص بشأن يلتسين، لكنه أقام أيضاً اتصالات جيدة للغاية مع بوتين.
كما اتسمت سياسته تجاه روسيا برمتها بهذه المفارقة – فقد كان سياسياً من الواضح أنه لم يكن يريد أن تسود القوى الموالية للغرب علناً في روسيا، وهي القوى التي تعتمد على الصداقة والتفاهم المتبادل مع الولايات المتحدة، والسبب في ذلك بسيط للغاية، نحن أنفسنا، كأشخاص عاديين، لا نكون سعداء دائماً بحقيقة أن شخصاً ما يحبنا، عندما نعلم أننا لا نستطيع الرد بالمثل.
لقد كان كيسنجر يعلم بشدة وأصر على أن الولايات المتحدة لن ترد بالمثل أبداً على حب روسيا، ولذلك فضل بريجنيف على غورباتشوف وبوتين على يلتسين، لقد أراد أن يرى في الكرملين شخصاً، بطبيعة الحال، ليس معادياً بشدة لبلاده، بل يعاملها ببعض اللامبالاة الباردة والبراغماتية، لقد علم هذه اللامبالاة المتبادلة الباردة للنخبة العالمية، الغربية والروسية على حد سواء، ويبدو أن هذا كان درساً قيماً ومهماً – ومن دون أدنى شك، يمكن للمرء أن يرى وراء هذه اللامبالاة بعض الحسابات المحددة للغاية، على سبيل المثال، للعمالة الرخيصة في الصين أو قوتها الصناعية العسكرية.
ولكن إن الأساس الجوهري لهذه اللامبالاة يتلخص في الفهم الواضح لحقيقة مفادها أن روسيا، من حيث حجمها، لا تتناسب مع البيت الأوروبي الأطلسي، رغم أن هذا لا ينبغي أن يمنعها من أن تكون صديقة في الداخل.
لقد كان كيسنجر هو حفار قبر كل التوقعات المشرقة في الستينيات – للتقدم، ودمج الشرق والغرب، وتقارب الأنظمة، وما إلى ذلك، وأياً يكن سيفتقده كثيرون على وجه التحديد كشخص، مع مجرد وجوده في المؤسسة العالمية، موضحاً أن وقت الصداقة الحضارية لم يحن بعد، لكن «وقت تجنب العناق» لم يفت بعد.