موسكو – (رياليست عربي): إن ردة فعل القيادة الصربية على ما نشرته وسائل الإعلام الغربية بأن جمهورية صربيا ما زالت تزود القوات الأوكرانية بالعتاد والسلاح والذخيرة اللازمة التي يستخدمها نظام كييف لمحاربة القوات الروسية وهو الأمر الذي نفاه الرئيس الصربي شكلاً و تفصيلاً مشيراً إلى أن بلغراد تبيع إنتاج صناعتها الحربية إلى دول ثالثة من تلك التي تقوم بإيصال هذه المنتوجات العسكرية إلى أوكرانيا مضيفاً بأن بلغراد ليس باستطاعتها أن تتحكم بالمصير النهائي لهذه الذخائر والأسلحة ومشيراً بأن العلاقات بين جمهورية صربيا وروسيا الإتحادية أكثر من جيدة حالياً وليس كما تروج وسائل الإعلام الغربية والصربية المعارضة والتي تحاول تضليل الشعب الصربي بوجود خلاف بين بلغراد وموسكو.
بعد أن اتهمت صحيفة (فاينانشيال تايمز) البريطانية، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية حكومة جمهورية صربيا بأن بلغراد قامت بشكل غير مباشر، بتزويد أوكرانيا بأسلحة وذخائر بقيمة 800 مليون يورو من خلال دول ثالثة، وذلك منذ مطلع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وحتى الآن، وأن حكومة بلغراد ما زالت تعمل سراً على زيادة مبيعات هذه الذخيرة إلى الغرب، وهو الأمر الذي عزز القدرة الدفاعية لأوكرانيا، على الرغم من أن جمهورية صربيا كانت (إلى جانب إتحاد البوسنة والهرسك) هما الدولتان الوحيدتان اللتين لم تنضما إلى العقوبات الغربية ضد روسيا:
- نشرت (فاينانشيال تايمز) معلومات أخرى مفادها أن صادرات الذخيرة الصربية التي تدخل أوكرانيا عبر أطراف ثالثة قد بلغت بالفعل نحو 800 مليون يورو، وهو المبلغ الذي وصفه الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بأنه دقيق في معظمه، حيث قال في مقابلة جديدة له: (إن هذا الرقم يدل على انتعاش الإقتصاد الصربي، وهو أمر مهم بالنسبة للصرب، معترفاً بأن الصرب يصدرون ذخيرتهم، ولكنهم لا يقومون بعمليات التصدير هذه إلى أوكرانيا أو إلى روسيا الإتحادية، ولكنه اعترف في الوقت نفسه بأن بلغراد، كانت قد وقعت الكثير من العقود مع الأمريكيين والإسبان والتشيك وغيرهم أيضاً، مشيراً إلى أن ما يفعله هؤلاء بهذه الذخيرة، هو في نهاية المطاف شأنهم الخاص، وشأن دولهم).
- وأضاف الرئيس فوتشيتش، أن مسؤولياته تنحصر بالتأكد من أن الجانب الصربي يقوم ببيع هذه الذخيرة بشكل قانوني، من أجل استعمال أرباحها لخدمة الشعب الصربي، وأن هذا هو كل ما يستطيع قوله للأصدقاء في كييف و موسكو على حدٍّ سواء، والذين يعتبرهم الصرب بأنهم أخوتهم السلافيين.
- وعندما سئل الرئيس الصربي عما إذا كان هذا الرقم 800 مليون يورو يقع في (الإطار) الصحيح للأخبار، أجاب فوتشيتش، بأن هذا الرقم (صحيح)، ولكن ليس خلال عام، بل خلال عامين أو ثلاثة أعوام.
- وقد أكدت وسائل الإعلام الغربية التي نقلت مقابلة الرئيس الصربي نقلاً عن (فاينانشيال تايمز) بأن ألكسندر فوتشيتش، وبالرغم من تصريحاته الأخيرة، إلا أنه ما زال يقاوم الضغوط الغربية لفرض عقوبات ضدَّ قيادة روسيا الإتحادية، وأنه سمح سابقاً باستئناف الرحلات الجوية مع روسيا الإتحادية، رغم طموحه وسعيه جاهداً لجعل بلاده عضواً في الإتحاد الأوروبي.
- وشددت وسائل الإعلام تلك على أن صربيا ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي أو الإتحاد الأوروبي، وأن شعبها مرتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا الإتحادية منذ فترة طويلة، نظراً لأن الصرب ما زالوا حتى الآن يشعرون بالغضب بسبب تصرفات الغرب، وقصف حلف شمال الأطلسي لبلادهم في عام 1999، ولذلك تتوقع بلغراد أن تستمر موسكو في سعيها السياسي الحالي لمنع الإعتراف الدولي بكوسوفو.
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف دول الإتحاد اليوغسلافي السابق، وعلى رأسها جمهورية صربيا مثل الخبير العالمي (إيفان فيفودا)، وهو الخبير بشؤون دول البلقان داخل معهد العلوم الإنسانية في العاصمة النمساوية فيينا، أن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، ما زال ينكر وجود دعم صربي بشكل مباشر لأوكرانيا، خاصةً وأن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قد تسترتا على هذا الأمر، لأنهما تعملان منذ عدة سنوات على إبعاد الرئيس الصربي فوتشيتش عن الرئيس الروسي بوتين، من خلال عدة محاولات حاول القيام بها السفير الأمريكي (كريستوفر هيل) الذي بدء حملته في ذلك البلد بعد شهر من وصوله إلى بلغراد.
- ويتابع الخبير (إيفان فيفودا) أنه في الوقت الذي كان يتوقع به الجميع أن يتصادم (كريستوفر هيل) مع الرئيس ألكسندر فوتشيتش وجهاً لوجه، إلا أن السفير الأمريكي كان أكثر دهاءً لأن هدفه الوحيد كان إبعاد بلغراد عن موسكو، وقد فعل ذلك نسبياً، حيث لم يلتق الرئيس الصربي فوتشيتش بنظيره الروسي بوتين أو حتى إتصل به منذ سنوات، لأن الرئيس بوتين كان سيسأل عن إمدادات الأسلحة التي كانت تصل إلى أوكرانيا، والتي كانت المخابرات العسكرية الروسية قد علمت بها منذ البداية.
- وأضاف الخبير العالمي، أن ما يقلق الروس حالياً، هو أن جمهورية صربيا ما زالت تتمتع بصناعة أسلحة مزدهرة منذ حقبة الحرب الباردة، عندما كانت جزءاً من يوغوسلافيا السابقة، وهي دولة مصنعة لعيارات الذخيرة ذات المعايير السوفيتية، والتي تستخدمها القوات الأوكرانية بشكل كبير حالياً.
- ومن الجدير بالذكر أن تقارير إعلامية صربية حديثة للغاية، نشرتها صحيفة (نوفا) الصربية المعارضة في بلغراد، قد أكدت بأن هناك توتر كبير في الوقت الحالي بين بلغراد و موسكو، حيث يرجع ذلك التوتر في المقام الأول إلى عدم توقف وصول الذخيرة الصربية إلى أوكرانيا، ولهذا السبب كان هذا الموضوع محور زيارة نائب وزير الخارجية الروسي (ألكسندر غروشكو) إلى جمهورية صربيا بتاريخ 2 يوليو 2024، حيث تؤكد المعلومات الأمنية والإستخباراتية الواردة من بلغراد وفق تسريبات قادة المعارضة الصربية، بأن المسؤول الروسي قد غادر العاصمة الصربية بلغراد بسرعة كبيرة، بسبب وجود مشاكل في التواصل بين الرئيس الصربي فوتشيتش والرئيس الروسي بوتين (على حدِّ ادعاء المعارضة الصربية).
- وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش نفسه، قد خرج مؤخراً على وسائل الإعلام الصربية ليعلن شخصياً، بأن كل ما هو مكتوب من قبل وسائل الإعلام التابعة للمعارضة الصربية، إنما هو (كذبة شائعة)، مؤكداً بأن علاقات جمهورية صربيا أكثر من جيدة مع روسيا حالياً، بغض النظر عن طريقة تعامل كل من البلدين مع تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) المستمرة في أوكرانيا منذ تاريخ 24 فبراير 2022.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.