واشنطن – (رياليست عربي): يشهد الصراع الأوكراني تحولاً جوهرياً في طبيعة العمليات العسكرية بفضل التطور الكبير في تقنيات الطائرات المسيرة بدون طيار، حيث أصبحت هذه الأنظمة الذكية تلعب دوراً حاسماً في إعادة تعريف مفاهيم القتال الحديث. وفقاً لتحليلات الخبراء العسكريين، فقد انتقلت هذه التقنية من مجرد أداة مساعدة إلى سلاح استراتيجي يؤثر بشكل مباشر على موازين القوى بين الجانبين المتحاربين. تظهر البيانات الميدانية تطوراً نوعياً في استخدام الطائرات المسيرة خلال العامين الماضيين، حيث تجاوزت مهام الاستطلاع البسيطة إلى تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف حيوية بعيدة المدى.
أصبحت الطائرات المسيرة عنصراً أساسياً في الاستراتيجيات العسكرية لكلا الطرفين، حيث تشير التقارير إلى أن أكثر من 60% من العمليات الهجومية الأوكرانية تعتمد بشكل كلي أو جزئي على هذه الأنظمة، بينما تصل النسبة إلى 45% في الجانب الروسي. تتميز هذه التقنية بعدة مزايا استراتيجية أهمها الدقة العالية في الإصابة التي تصل إلى 95% لبعض الأنواع المتطورة، والتكلفة المنخفضة مقارنة بالأنظمة التقليدية، حيث لا تتجاوز تكلفة الطائرة المسيرة المتوسطة المدى 5% من تكلفة صاروخ كروز التقليدي. كما توفر مرونة تشغيلية كبيرة تمكن القوات من إطلاق المئات منها يومياً من مواقع متنقلة، مما يشكل تحدياً كبيراً لأنظمة الدفاع الجوي التقليدية.
أدى هذا التوجه إلى سباق تقني محموم بين الجانبين لتطوير أنظمة مضادة أكثر تطوراً، بما في ذلك أنظمة التشويش الإلكتروني المتقدمة وحلول الليزر المضادة للطائرات. كما بدأت تظهر بوادر سباق جديد في مجال دمج الذكاء الاصطناعي مع أنظمة الطائرات المسيرة، مما يمكنها من اتخاذ قرارات تكتيكية معقدة دون تدخل بشري مباشر. هذا التطور التكنولوجي السريع يطرح أسئلة مهمة حول مستقبل الحروب التقليدية وإمكانية تحول الصراعات المسلحة إلى مواجهات بين أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة.
من الناحية الاستراتيجية، أسهم انتشار الطائرات المسيرة في إطالة أمد الصراع الأوكراني، حيث وفرت للقوات الأوكرانية وسيلة فعالة من حيث التكلفة لمواجهة التفوق العددي الروسي، بينما مكنت روسيا من تعزيز قدراتها في المراقبة والاستهداف بعيد المدى. كما غيرت هذه التقنية من جغرافية الصراع، حيث أصبحت الهجمات على البنية التحتية الحيوية في العمق الروسي والأوكراني أكثر تكراراً.
يشير المحللون العسكريون إلى أن هذه التطورات تمثل نقطة تحول في تاريخ الحروب الحديثة، حيث تبرز الطائرات المسيرة كعامل حاسم في إعادة تعريف مفاهيم التفوق العسكري. في المستقبل القريب، من المتوقع أن تشهد هذه التقنية مزيداً من التطور مع التركيز على زيادة المدى التشغيلي، تحسين القدرة على اختراق أنظمة الدفاع الجوي، وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تعقيداً. هذه التطورات تطرح تحديات جديدة أمام المجتمع الدولي فيما يتعلق بضرورة وضع أطر تنظيمية لاستخدام هذه التقنيات في النزاعات المسلحة.