بروكسل – (رياليست عربي): باتت الأنظار تتجه صوب القارة الأوروبية التي تشهد حالة من الترقب والقلق مع تصاعد التكهنات حول احتمال انسحاب جزئي للقوات الأمريكية من أراضيها. هذه التطورات تأتي في إطار تحولات جيوسياسية كبرى تعيد تشكيل خريطة التحالفات العسكرية التقليدية، حيث بدأت الدول الأوروبية تستعد لسيناريوهات قد تغير وجه الأمن القاري بشكل جذري.
تشير قراءة متأنية للمشهد الاستراتيجي إلى أن هذا التوجه الأمريكي ينبع من أولويات جديدة تركز على المواجهة مع الصين في المحيط الهادئ. تقارير عسكرية تكشف عن خطط لإعادة توزيع القوات الأمريكية بما يتناسب مع هذه الاستراتيجية، مما يضع الحلفاء الأوروبيين أمام تحدٍ وجودي يتعلق بقدرتهم على سد الفراغ الأمني المحتمل. هذا التحول الكبير يأتي في وقت تعاني فيه العديد من الجيوش الأوروبية من نقص في التمويل والعتاد، ما يزيد من حدة المخاوف.
في الجانب الأوروبي، تبدو المواقف منقسمة بشكل واضح. بينما تعبر دول شرق أوروبا عن قلق بالغ من أي تقليص للوجود الأمريكي الذي تراه ضمانة أمنية أساسية، تبدو دول غربية كفرنسا وألمانيا أكثر تفهماً بل وتسعى لتعزيز استقلاليتها الدفاعية. هذه الانقسامات تطرح تساؤلات كبيرة عن مدى تماسك الموقف الأوروبي الموحد في حال تحقق هذا السيناريو.
على صعيد حلف الناتو، تبرز تحديات مصيرية تهدد بزعزعة الكيان الذي ظل لسبعة عقود حجر الزاوية في الأمن الجماعي. خبراء استراتيجيون يحذرون من أن أي انسحاب أمريكي قد يفتح الباب أمام مزيد من الانقسامات داخل الحلف، خاصة مع تصاعد الأصوات المشككة في جدوى الاستمرار في الاعتماد الكلي على الحماية الأمريكية. في المقابل، يرى بعض المحللين أن هذه الأزمة قد تشكل فرصة تاريخية للأوروبيين لبناء قدرات دفاعية مستقلة.
من الناحية العملية، تواجه أوروبا معادلة صعبة في سد الفجوة العسكرية التي قد يخلفها الانسحاب الأمريكي. تقديرات الخبراء تشير إلى حاجة القارة لمضاعفة إنفاقها الدفاعي وتوحيد برامجها التسليحية، وهو ما يصطدم بواقع اقتصادي صعب تعيشه العديد من الدول الأوروبية. الأسئلة الكبرى تظل معلقة حول مصادر تمويل هذه الطفرة الدفاعية المطلوبة وتأثيرها على برامج الرفاه الاجتماعي.