موسكو – (رياليست عربي): أعلنت وزارة الدفاع الروسية، مساء الأحد 1 سبتمبر 2024 عن إحباط إحدى أضخم هجمات الطائرات المسيّرة الأوكرانية، مؤكدة إسقاط 158 مسيّرة استهدفت 15 منطقة روسية، خلال ليلة يوم السبت إلى ليلة يوم الأحد، بينها اثنتان فوق العاصمة موسكو، حيث أسقطت الدفاعات الجوية الروسية 122 طائرة فوق مناطق (كورسك) و(بريانسك) و(فورونيج) و(بيلغورود) المحاذية لأوكرانيا، وذلك بالتزامن مع تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي اتهم موسكو هو الآخر باستخدام أكثر من 160 صاروخاً، و780 قنبلة جوية موجهة، و400 طائرة مسيرة هجومية روسية وذلك خلال فترة الأسبوع الماضي فقط، لاستهداف المدن والقوات الأوكرانية في جميع أنحاء بلاده.
- من الجانب الروسي: أكد (سيرجي سوبيانين) رئيس بلدية موسكو، أن الطائرات التي كانت تحلق باتجاه موسكو تمَّ تدميرها هي الأخرى في المنطقة المحيطة بالمدينة، بعد أن شنت قوات نظام كييف أحد أكبر هجماتها بالطائرات المسيرة على روسيا الإتحادية منذ اندلاع الحرب الشاملة بين الجانبين، حيث حاولت المسيرات الأوكرانية استهداف محطات توليد الكهرباء ومصفاة للنفط خلال الليل.
- · بدوره، أعلن (ألكسندر بوجوماز) حاكم مدينة (بريانسك) الحدودية في جنوب غربي روسيا الإتحادية، أن نحو 26 طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا قد تمَّ تدميرها أيضاً فوق المنطقة، فيما أكد حاكم مدينة فارونيج (ألكسندر غوسيف) أن أكثر من 10 طائرات مسيّرة دُمرت فوق المنطقة، وأسقطت طائرات أخرى فوق مناطق (كورسك) و(ليبيتسك) و(ريازان) و(تولا)، ليؤكد حاكم مدينة بيلغورود الحدودية (فياتشيسلاف غلادكوف) هو الآخر، تضرر ثلاثة مبانٍ سكنية في مدينته بيلغورود، قبل أن يؤكد حاكم مدينة أريول الروسية (أندريه كليتشكوف)، أن الدفاعات الجوية الروسية قد حيدت على الفور إثنتين من المسيرات التي حاولت قصف مرافق مدينته.
- أما من الجانب الأوكراني: فقد أعلن الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلنسكي) بأن هذا الهجوم الأوكراني بالطائرات المسيرة، يأتي رداً على الهجمات الصاروخية الروسية على مدينة (خاركوف) الأوكرانية، والذي تسبب بإصابة أكثر من 40 شخصاً، مما دفع (فولوديمير زيلينسكي) ليجدد مناشدته لعواصم الدول الغربية من أجل السماح لكييف بإطلاق صواريخ غربية على أهداف في عمق أراضي روسيا الإتحادية.
- وأضاف (فولوديمير زيلنسكي) أن القوات الأوكرانية قد شنت هذه الهجمات لتستهدف منشآت الغاز والنفط الروسية رداً على استهداف موسكو لمنشآت الطاقة الكهربائية فوق الأراضي الأوكرانية، معتبراً أن هذه الهجمات الإنتقامية (حسب وصفه) ستساهم في الوصول إلى نهاية منصفة لهذا النزاع.
- وتابع زيلنسكي أن روسيا الإتحادية تريد تدمير بلاده أوكرانيا (على حدِّ اتهامه) لكن الحرب عادت إلى الأراضي الروسية، بعد أن تمكنت القوات الأوكرانية من شن هجومها المفاجئ، متوعداً بأن روسيا الإتحادية سوف تعرف ما هو الإنتقام الأوكراني (حسب تهديده)، وأن هذا الإنتقام قد بدأ قبل القليل فقط من موعد الذكرى الــــــــــــــ33 لاستقلال أوكرانيا والتي صادفت بتاريخ 27 آب أغسطس 2024، في إشارة إلى التوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية منذ أوائل شهر أغسطس آب 2024.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتطوراتها اللوجيستية أمنياً وعسكرياً، مثل الخبير العسكري والأمني الروسي (فيكتور بارانيتس)، والذي نشر مقالاً تحليلياً له في صحيفة (كومسومولسكايا برافدا) الروسية الحكومية، حيث أكد الخبير بارانيتس في مقاله أن هناك معارك ضارية للغاية تجري حالياً في مقاطعة كورسك ضدَّ القوات المسلحة لنظام كييف.
- وأشار الخبير الروسي (فيكتور بارانيتس) إلا أنه وبالرغم من معارك مقاطعة (كورسك) المحتدمة حالياً، إلا أن هناك معارك أكثر أهمية، وهي لا تقل سخونة، ولا تقل أهمية أيضاً، وما زالت تجري على الجبهة الجنوبية (بالقرب من دونيتسك) في حوض دونباس.
- وأضاف الخبير الروسي أن هناك تفاصيل عسكرية وأمنية مثيرة للإهتمام بدأت تطفو على سطح الأخبار بسرعة كبيرة، نظراً لأن بعض نواب البرلمان الأوكراني، ومعهم كبار الضباط والخبراء العسكريين الأوكرانيين من الذين منعتهم المخابرات الأوكرانية من الكلام لتبقي أفواههم مغلقة، لا يترددون حالياً، وبكل جرأةٍ في وصف حالة الجيش الأوكراني بأنها أقرب إلى حالة (الذعر و التشتت)، حيث وصل الأمر بقوات كييف إلى درجة أن البيانات السرية الأوكرانية المتعلقة بتقييم الوضع في هيئة أركان القوات المسلحة الأوكرانية، أو حتى أخبار المشاجرات بين قادة الفرق والوحدات الأوكرانية بدأت تتسرب علناً إلى موجات الأثير والشبكات الإجتماعية وبعض قنوات التلغراف العسكرية والأمنية الأوكرانية علناً، فبدلاً من سماع كلمة (أزمة) بدأت تسمع هناك كلمة (كارثة) في وضع مفضوح إعلامياً.
- ويتابع الخبير العسكري والأمني الروسي (فيكتور بارانيتس) أن القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية الجنرال (ألكسندر سيرسكي)، ليس مجنوناً، وهو ليس انتحارياً أيضاً، كما يحاول بعض المنتقدين من الأوكرانيين أن يصفوه، لأن ذلك الجنرال الأوكراني الماكر والمتمرس، كانت لديه خطته العسكرية الماكرة الخاصة لمهاجمة منطقة (كورسك)، حيث أراد القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية تحقيق عدة أهداف من خلال ذلك التوغل الأوكراني، وهي في حقيقة الأمر أهداف خطيرة وذكية للغاية، لو أنها تحققت على أرض الواقع، ومن هذه الأهداف الخبيثة مثلاً:
- · 1- إرضاء زعيم نظام كييف (فولوديمير زيلينسكي) حتى يحصل على ورقة سياسية رابحة أمام الغرب والناخبين المحليين في أوكرانيا قبل موعد الإنتخابات الرئاسية الأوكرانية.
- · 2- الحصول على ورقة تبادل الأراضي من أجل الإستفادة منها ضمن أي مفاوضات مستقبلية يمكن أن تجري يبن كييف وموسكو، خاصةً وأن عواصم الغرب بدأت تضغط على كييف للتفاوض مع موسكو.
- · 3- محاولة القيادة العسكرية الأوكرانية أن تخلق شعوراً بنشوة الإنتصار في أوساط الجيش والشعب الأوكراني، وذلك من أجل زيادة مستوى التعبئة العسكرية التي يحتاجها نظام كييف حالياً.
- · 4 – إجبار القيادة العسكرية الروسية على سحب قواتها من جميع جبهات حوض دونباس ونقلها إلى مقاطعة ( كورسك) الروسية.
- وهنا يعترف الخبراء العسكريون والأمنيون، من الروس والأوكرانيين على حد سواء، أن النقطة الأخيرة في واقع الأمر هي التي كانت أكثر أهمية للقادة العسكريين والأمنيين في هيئتي الأركان العامة الأوكرانية والروسية، نظراً لأن الجنرال (ألكسندر سيرسكي) كان يريد أن ينصب فخاً كبيراً لروسيا الإتحادية، وقد اعتقد أنه نجح بذلك في بداية الأمر، لكن الحقيقة والواقع الحالي للأمور على أرض المعركة تدل عكس ذلك تماماً، والدليل على ذلك اعتراف (ألكسندر سيرسكي) نفسه، حيث أكدت بعض التسريبات التي حصلت عليها المخابرات العسكرية الروسية، أن القائد العسكري الأوكراني قد تحدث بنفسه شخصياً مع ضباطه لتفادي الفشل في تحقيق الهدف الرئيسي الذي من أجله شنت عملية (كورسك) العسكرية الكبيرة والمباغتة.
- ويؤكد الخبراء أن نتيجة اجتياح مقاطعة (كورسك) الروسية ستكون كارثية بالنسبة للقوات الأوكرانية، بلاد أدنى شك، لأن كلاً من (فولوديمير زيلنسكي) ومعه قائد قوات جيشه (ألكسندر سيرسكي) أيضاً، لم يتوقعا أبداً أن تنجح القوات الروسية في وقف هجوم (كورسك) المباغت قبل بداية شهر سبتمبر أيلول 2024، حيث كانوا يعتقدون بأن موسكو ستقوم بنقل العديد من قواتها العسكرية الموجودة في حوض (دونباس) لتنجو بنفسها من الفخ العسكري الأوكراني الأخير، ولكن هذا لم يحدث، مما يؤكد بأن الدفاعات الأوكرانية في حوض (دونباس) ستنهار بشكل سريع حالياً، بسبب سحب العديد من قوات نظام كييف من هناك ظناً بأن الكرملين الروسي سيسحب قواته من حوض (دونباس) هو الآخر، ولكن الجانب الروسي تنبه لهذا الأمر، وأبقى أكثر قواته في حوض (دونباس)، ونجح الكرملين الروسي في نشر 30 ألف مقاتل روسي تمَّ جمعهم من مختلف الوحدات العسكرية الروسية، وليس من مناطق دونباس، مما فاجئ الأوكرانيين كثيراً، وهو الأمر الذي أرعبهم، لمعرفتهم وتيقنهم بأن هذا الأمر سيؤدي إلى كارثة عسكرية أوكرانية سريعة، ستبدأ من حوض دونباس وستنتهي في العاصمة الأوكرانية كييف.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.