موسكو – (رياليست عربي): بعد أن أعلن البنتاغون الأمريكي مساء الأربعاء الموافق لتاريخ 10 تموز يوليو 2024 أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبدأ في عام 2026 بنشر أسلحتها بعيدة المدى، بما في ذلك الصواريخ (فرط الصوتية) فوق أراضي ألمانيا:
- أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف بشأن قرار واشنطن وبرلين نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا، وهو الأمر الذي يهدف حسب تقدير مسؤولي وزارة الخارجية الروسية إلى الإضرار بأمن واستقرار روسيا، وأن موسكو ستحدد ردها العسكري عليه (بهدوء ومهنية)، وذلك وفقاً لما أكده المسؤولون في وزارة الخارجية الروسية (وعلى رأسهم ريابكوف نفسه).
- وأضاف ريابكوف للصحفيين صباح اليوم الخميس، رداً على سؤال عما إذا كان من شأن قرار نشر الصواريخ الأمريكية أن يكرر تجربة الحرب الباردة، أي عندما أدت تصرفات أمريكية مماثلة سابقاً في نهاية المطاف إلى بدء المفاوضات بشأن القضاء على الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، فأجاب قائلاً: (يصعب عليَّ شخصياً الحكم على ما يعول عليه حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية (من جهة) وكذلك ألمانيا (من جهة أخرى) كطرفين في الإتفاق الذي يعتزمان تنفيذه، لكنني لا أعتقد أنهم يعتبرون تكرار تلك التجربة أمراً ممكناً، فقد تغير الوضع بشكل جذري في منظومة العلاقات الدولية، وهم يعلمون جيداً هذه الحقيقة السياسيةوالأمنية).
- وأكد سيرجي ريابكوف أن هذه الإجراءات تهدف في المقام الأول إلى الإضرار بأمن روسيا، بغض النظر عما إذا كانت هناك فرص لفتح مفاوضات مع روسيا بشأن إعادة عمليات الحد من التسلح، وبغض النظر إن كانت هذه العمليات ستزداد أم ستختفي تماماً بين روسيا ودول حلف الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
- وأشار نائب وزير الخارجية الروسي إلى أن قرار نشر الصواريخ بعيدة المدى هو مجرد حلقة في مسار التصعيد، وأنه أحد عناصر الترهيب الذي يكاد يكون اليوم المكون الأساسي لخط دول حلف (الناتو) والولايات المتحدة الأمريكية تجاه روسيا، ولذلك أكد سرجي ريابكوف أن روسيا ستقوم بوضع ردها في المجال العسكري قبل غيره على خطط الولايات المتحدة الأمريكية لنشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا (بطريقة هادئة ومهنية وبدون أي إنفعالاتٍ)، مشيراً إلى أن الأجهزة المختصة في روسيا ستجري بالطبع تحليلاً للأنظمة التي سيدور الحديث عنها.
- وتعليقاً على التقارير الإستخباراتية التي وصلت إلى أجهزة المخابرات الروسية والتي تفيد بأن تلك الأسلحة ستضم نسخاً أرضية من صاروخ كروز (توماهوك) وصاروخ (SM-6) قال سيرجي ريابكوف:
- إن موسكو كانت على حق مرةً أخرى عندما أعلنت قبل عدة سنوات أن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لتكييف تلك الأنظمة للنشر البري، وقد أثبتت الأيام أن الكرملين الروسي كان محقاً بالفعل.
- وأضاف نائب وزير الخارجية الروسي أن الأمريكيين أنكروا كل ذلك حينها، وهو أمر ليس مستغرباً من قبلهم، لأن الأكاذيب ومحاولات تضليل خصومهم وخداع المجتمع الدولي، كانت دائماً جزءاً لا يتجزأ من السلوك الأمريكي على الساحة الدولية وفي أوروبا تحديداً، وهو ما بات واضحاً للجميع في الفترة الأخيرة.
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المطلعين على تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مثل الخبير العالمي (ستيفين براين) أن كل هذه التطورات العسكرية والأمنية تأتي ضمن ما يسميه الخبراء (خطر توسع الصراع الأوكراني) ليشمل دولاً أخرى من حلف (الناتو) بعد التصعيدات الأخيرة، حيث يؤكد الخبير أن تحركات حلف (الناتو) الأخيرة قد تؤدي بالفعل إلى توسيع الحرب لتشمل بعض دول الحلف، فيما يتزايد خطر انتقال حرب أوكرانيا إلى أوروبا، حيث لم يكن هناك خطر لإندلاع حرب أوروبية إلى هذا الحد من قبل، كما هو الحال حالياً.
- ويرى الخبير العالمي أن هذه القرارات الأمريكية تتزامن حالياً مع انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في واشنطن للفترة ما بين 9 و11 يوليو 2024، لأن المخابرات المركزية الأمريكية تدرك جيداً بأن هناك مخاطر حقيقية لتوسع الحرب خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وهو الأمر الذي يدركه كلاً من الروس والأمريكيين على حد سواء، ولذلك يحاول كلا الجانبين حشد حلفائه إلى جانبه.
- ويجمع العسكريون الغربيون على أن أوكرانيا تخسر الحرب ضد روسيا ببطء، ولكن بلا هوادة، لأن أوكرانيا لا تمتلك العدد الكافي من الجنود لمواصلة قتال الروس لفترة أطول، حيث يصل معدل الخسارة في أوكرانيا إلى المئات يومياً، بينما توصف المعارك في الوقت الحاضر بأنها (مفرمة لحم) بسبب الأعداد الكبيرة من الضحايا، خلافاً لروسيا التي ما زال لديها إحتياطي كبير من الجنود يتجاوز عددهم 500 ألف جندي تقريباً، أي أكثر من نصف مليون من الرجال الروس المقاتلين المدربين، فيما لا تمتلك أوكرانيا أي إحتياطيات لم يتم نشرها بالفعل.
- ومع ذلك، فإن إستراتيجية اللعبة النهائية التي تتبناها روسيا غامضة، ففي بعض الأحيان يقول الروس إنهم يريدون إنشاء (منطقة عازلة) لحماية الأراضي الروسية من الهجوم، إلا أن إدخال الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز بعيدة المدى يستبعد إنشاء منطقة عازلة ما لم تصل تلك المنطقة إلى نهر الدنيبر تقريباً، ففي هذه الحالة فإن المنطقة العازلة لن تحمي زابوروجيه أو شبه جزيرة القرم.
- في الوقت نفسه، يقوم حلف (الناتو) الآن بإدخال طائرات من طراز (إف-16) إلى أوكرانيا، والتي يقال إنها ستقلع من المطارات الرومانية حيث سيتم تجهيزها بصواريخ كروز طويلة المدى من طراز (JASSM) وصواريخ جو-جو من طراز (AIM-120)، مما سيطرح تساؤلاً إن كانت روسيا تحتاج إلى تدمير القواعد الجوية الرومانية التي ستنطلق منها هذه الطائرات، أم أن حلف (الناتو) سيتراجع عن فكرة استخدامها للقيام بطلعات جوية بطائرات (إف-16)، والتي يتوقع البعض أنها ستستهدف ضرب مواقع في شبه جزيرة القرم بالذات.
- ويعود السبب في هذا الإحتمال، لأن شبه جزيرة القرم حساسة للغاية بالنسبة لروسيا، حيث أطلقت أوكرانيا في الآونة الأخيرة، وابلاً ثقيلاً من الصواريخ بعيدة المدى على أهداف في شبه جزيرة القرم بما في ذلك المطارات والموانئ، وخاصة في مدنية سيفاستوبول، وستحاول قريباً مرة أخرى، تدمير أهم جسر في شبه جزيرة القرم (أي جسر كيرتش)، وقد تم توفير معظم هذه الصواريخ من قبل حلف الناتو (ومعظمها أمريكي)، ويتم منحها جميعا الأهداف بناءً على الإحداثيات التي توفرها دول حلف الناتو، حيث يستخدم الناتو طائرات تجسس ورادارات بعيدة المدى، إضافة للأقمار الصناعية لتحديد الإحداثيات الدقيقة لعملائه الأوكرانيين.
- أما من الجانب الروسي، فما زال الروس يلتزمون الصمت إلى حد ما بشأن هذه الهجمات، معتمدين على الدفاعات الجوية لتجنب معظم الأضرار، لأنه ليس لهجمات القرم أي غرض عسكري فعلي لأن أوكرانيا تفتقر على أي حال للقوة البرية اللازمة لخوض معركة هناك.
- لكن الخطط العسكرية الغربية حالياً تستهدف إستفزاز الروس، علماً بأن النتيجة المحتملة قد تكون عكسية، لأنه ومع تصاعد الضغوط يمكن للمرء أن يتوقع أن ترد روسيا، وأن تستخدم القوة الوحشية، إما بمهاجمة مدينة خاركوف أو أوديسا أو حتى مهاجمة العاصمة كييف نفسها، حيث تمتلك روسيا صواريخ طويلة المدى أكثر مما يستطيع حلف الناتو توفيره، خلافاً لنظام كييف الذي لا يمتلك ما يكفي لدعم الدفاعات الجوية الأوكرانية، وحماية المدن الأوكرانية من أي دمار محتمل، وهو الأمر الذي يدركه الأمريكيين والأوكرانيين وحتى الألمان أنفسهم.
- كل هذه الوقائع العسكرية والأمنية، تؤكد بأن حلف الناتو، يحاول إقناع الروس بأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً للغاية بهزيمة أوكرانيا، وقد يعتقد البعض في الحلف أن الضغوط سوف تتزايد مستقبلاً داخل روسيا لحملها على التراجع، ووقف عملياتها الهجومية الأخيرة، وربما السعي إلى وقف إطلاق النار، ولكن لسوء الحظ لا يوجد أي سبب للإعتقاد بإمكانية إقناع روسيا بوقف عملياتها ضد أوكرانيا، أو حتى النظر في وقف إطلاق النار.
- · ويؤكد الخبراء العسكريون الروس المتواجدون في أرض المعركة حالياً على مختلف الجبهات، أنه وبالرغم من كثرة الحديث عن وقف إطلاق النار، فإن هذا الوقف سيكون لصالح أوكرانيا حصرياً، وليس لصالح روسيا، وقد أرسل الروس رسالتهم الخاصة إلى واشنطن، حيث أرسلوا سفناً حربية روسية وغواصات نووية إلى كوبا، ومن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن ستفهم هذه الرسالة.
- وفي نهاية المطاف، يؤكد المشهد السياسي والعسكري حالياً، أن روسيا غاضبة بشكل متزايد من الهجمات على أراضيها وعلى شبه جزيرة القرم بالذات، فيما تتخلص الضغوط الفعلية داخل القيادة الروسية تتلخص في تكثيف الهجمات على الأهداف الأوكرانية بشكل كبير، وقد تمَّ تداول هذه الرسائل في سلسلة من الإجتماعات الخاصة خلال الشهر الماضي بقمة سانت بطرسبورغ الإقتصادية، على الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمي بوتين شخصياً، لم يتحدث عن ذلك بشكل مباشر للجميع، إلا أن المستوى الثاني من المسؤولين الروس في القيادة الروسية، قد عبر عن غضبه وإحباطه وسعيه لمهاجمة الأوكرانيين ودول حلف الناتو، واليوم بدأت تصرفات الأمريكيين في ألمانيا وغيرها من دول حلف الناتو تؤكد أن المسؤولين الروس كانوا على حق خلال إعرابهم عن غضبهم ورغبتهم بالتصعيد العسكري.
- وقد اختار بعض القادة الأوروبيين، الذين يفقدون الدعم السياسي بشكل خطير في الداخل الأوروبي، وخاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حرباً أكبر لمحاولة تحويل الرأي العام لصالحهم، وهو ما يفسر إرسال القوات وتقديم الطائرات المقاتلة، وذلك لإشعال حرب أوروبية واسعة النطاق.
- · وهنا يؤكد قرار الولايات المتحدة الأمريكية على ما يبدو وراء بوضع هذه الصواريخ الإستراتيجية في ألمانيا لتهديد أمن وسلامة الأراضي الروسية، بأن هناك تصعيد أمريكي غربي من قبل دول حلف (الناتو)، وقد كانت الإشارات الأولى لهذه التصعيد قد ظهرت عندما قامت المخابرات الأمريكية باستخدام العديد من قواعد مقاتلات (إف-16) في رومانيا، حيث أكد الخبراء الروس حينها أن هذه الطريقة المفضوحة للجميع سياسياً، إنما هي طريقة الرئيس الأمريكي جون بايدن من أجل إشعال حرب في قارة أوروبا وإنقاذ سفينته السياسية الغارقة.
- وما يؤكد صحة تقديرات أجهزة الأمن الروسية، هو قيام دولة أخرى من دول حلف (الناتو) وهي بولندت بمنح أوكرانيا (مظلة) بولندية للدفاع الجوي، وفق الإتفاقية الأمنية التي وقّعتها أوكرانيا و بولندا مؤخراً، والتي ستتيح للدفاعات الجوية البولندية والأوكرانية معاً اعتراض الصواريخ والطائرات الروسية المسيّرة التي تهاجم أهدافاً عسكرية في غرب أوكرانيا، وذلك لأن المخابرات العسكرية الأوكرانية تريد تأمين المطارات العسكرية الغربية حيث من المرجح أن تتمركز مقاتلات (إف-16) الأمريكية.
- ولهذا السبب يؤكد الخبير العسكري الروسي، الجنرال البحري (فاسيلي دانديكين)، أن أي إطلاق للنار من أراضي دولة أخرى خلال العملية العسكرية الروسية الخاصة، ستعتبره موسكو مشاركةً ملموسة في الأعمال القتالية، وهو الأمر الذي بحثته القيادات الأمنية والعسكرية لدول حلف (الناتو) مؤخراً، وذلك لأن البولنديين يعانون رهاباً كبيراً من قبل الروس، وهم مستعدون لافتعال تصعيد عسكري في منطقة البلطيق وكالينينغراد، وكذلك الأمر في جمهورية بيلاروس المحاذية لروسيا.
- ولهذا السبب بدأت المخابرات المركزية الأمريكية بتسيير المزيد من طائرات الإستطلاع الأمريكية التي تحوم فوق حوض البحر الأسود، وكذلك بدأت بالتنسيق مع القوات العسكرية الفضائية البولندية بشأن الدفاعات الجوية البولندية الأوكرانية المشتركة، وكذلك بدأت بنقل بعض الطائرات والقاذفات الأمريكية إلى المطارات العسكرية في جمهورية رومانيا، لتأتي الخطوة الأخيرة من قبل الأمريكيين بوضع بطاريات أرضية ونسخ من صاروخ كروز (توماهوك) وصاروخ (SM-6) فوق أراضي ألمانيا، وهو الأمر الذي بات يشي بفترة تصعيد عسكري واضحة لا يمكن تجاهلها، لا من قبل الروس ولا من قبل الأوكران ولا حتى من قبل الأمريكيين والأوروبيين، ولا حتى من قبل الصينيين الذي بدأوا بمناورات عسكرية قرب حدود جمهورية بيلاروس للإشارة إلى أن الصدام إن وقف فإنه سيطال جميع المعنيين بهذا التصعيد العسكري المحتمل، والذي ستتضح معالمه أكثر فأكثر خلال الشهرين أو الثلاثة الأشهر القادمة، والذي سيدلي بدلوه في نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وسيظهر مدى قوة الجيش الروسي.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.