إسطنبول – (رياليست عربي). اختار رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية ريتشارد مور مدينة إسطنبول ليكون مسرحاً لوداعه الرسمي، حيث ألقى كلمة في القنصلية البريطانية بمنطقة بيرا التاريخية، على مقربة من القنصلية الروسية.
مور، الذي تحدث جزءاً من كلمته بالتركية بطلاقة، وصف تركيا بأنها «لاعب أساسي» في قضايا تمتد من الحرب في سوريا إلى الصراع في أوكرانيا. لكنه، بالإنجليزية، وجّه نداءً إلى الروس «ممن يملكون حقائق وشجاعة لكشفها» للتواصل مع MI6 عبر منصتها على الإنترنت المظلم المعروفة باسم «Silent Courier».
تصريحاته، التي تضمنت اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«الاستخفاف بحياة البشر»، أثارت غضب محللين ودبلوماسيين أتراك. واعتبرت المحللة المخضرمة بارجين يننج أن عدم إبلاغ أنقرة مسبقاً بمضمون الكلمة «فضيحة»، فيما قال السفير السابق نامق تان إن إطلاق دعوة لتجنيد الروس من الأراضي التركية «يُظهر مدى ارتهان أنقرة لحضن بريطانيا».
توقيت الخطاب زاد حساسية الموقف، إذ من المقرر أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الأميركي دونالد ترامب في واشنطن يوم 25 سبتمبر. السفير السابق ألبير جوشكون، الباحث في مؤسسة كارنيغي، رأى أن مور تعمّد وضع أنقرة في موقف صعب.
الصحافة البريطانية أشارت إلى أن مور يُعد من أبرز المرشحين لتولي منصب السفير المقبل في واشنطن بعد إقالة اللورد بيتر ماندلسون.
تركيا، العضو في حلف الناتو، تنتهج منذ الحرب الروسية في أوكرانيا سياسة «الغموض الاستراتيجي»، إذ منعت مرور السفن الحربية الروسية عبر البوسفور، لكنها في الوقت نفسه ضاعفت وارداتها من الغاز الروسي وساعدت في إعادة تصديره إلى أوروبا. ويصف محللون هذا النهج بأنه «انتهازية تكيفية» تحكمها المصالح الإقليمية المتبادلة.
المؤرخون يذكّرون بأن إسطنبول كانت في الحرب العالمية الثانية مركزاً لتقاطعات التجسس بين الحلفاء والمحور، فيما تشهد اليوم حضوراً متزايداً للروس، ما يفتح فرصاً لأجهزة الاستخبارات الغربية ويعقّد في الوقت ذاته توازن أنقرة بين الشرق والغرب.
مور، في كلمته، تطرّق أيضاً إلى التعاون البريطاني مع «هيئة تحرير الشام» المرتبطة بالقاعدة، والتي يقودها أحمد الشرع بعد إطاحته بالرئيس السوري بشار الأسد العام الماضي، وهي اتهامات وجهتها شخصيات كردية سورية لبريطانيا وتركيا ولم ينفها مور بشكل مباشر.
الكرملين لم يصدر تعليقاً رسمياً بعد، غير أن كلمة مور في إسطنبول أكدت مرة أخرى دقة موقف تركيا بين تضامنها مع الناتو من جهة، وعلاقاتها الاستراتيجية مع موسكو من جهة أخرى.






