بروكسل – (رياليست عربي): أفادت تقارير حديثة نشرتها مجلة “بوليتيكو” أن إسبانيا أصبحت تشكل “صداعاً مزعجاً” لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب إخفاقها المتكرر في الوفاء بتعهداتها بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى المستويات المتفق عليها.
وكشف التقرير أن مدريد ما زالت متخلفة بشكل ملحوظ عن تحقيق هدف إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو الهدف الذي التزمت به جميع الدول الأعضاء في قمة ويلز عام 2014 ثم جُدد التأكيد عليه بقوة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
تشير البيانات الرسمية إلى أن إسبانيا خصصت فقط 1.26% من ناتجها المحلي الإجمالي للشؤون العسكرية في عام 2024، وهو ما يضعها بين أقل الدول إنفاقاً في الحلف. وهذا التقصير يأتي في وقت حرج يشهد تصاعد التهديدات الأمنية في أوروبا وزيادة الضغوط على دول الناتو لتعزيز قدراتها الدفاعية. وتكمن خطورة الموقف الإسباني في الموقع الاستراتيجي للبلاد التي تشكل جسراً حيوياً بين أوروبا وإفريقيا، وتلعب دوراً محورياً في أمن منطقة البحر الأبيض المتوسط.
حسب مصادر دبلوماسية في بروكسل، فإن الموقف الإسباني يسبب إحباطاً متزايداً بين الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة التي تطالب منذ سنوات بزيادة الإنفاق الدفاعي للأعضاء الأوروبيين. وتعتبر واشنطن أن التزام الدول الأعضاء بزيادة الميزانيات العسكرية أمر حيوي لضمان فعالية الردع الجماعي الذي يقوم عليه الحلف. من جهتها، تحاول الحكومة الإسبانية تبرير موقفها بالإشارة إلى التحديات الاقتصادية الداخلية والأولويات الاجتماعية، لكن هذه الحجج لم تعد مقنعة للحلفاء في ظل الأزمة الأمنية الحالية.
في سياق متصل، يرى مراقبون أن التقاعس الإسباني قد يكون له تداعيات تتجاوز الجانب المالي. فمن الناحية العملياتية، يعاني الجيش الإسباني من نقص حاد في التحديث والتجهيز، مما يحد من قدرته على الوفاء بالتزاماته ضمن هياكل الناتو. كما أن هذا الوضع يضعف موقف إسبانيا التفاوضي داخل الهياكل القيادية للحلف، ويقلل من نفوذها في صنع القرار الاستراتيجي.
على الرغم من عدم صدور أي تعليق رسمي من الحكومة الإسبانية على تقرير “بوليتيكو”، فإن مصادر مطلعة في وزارة الدفاع أشارت إلى أن مدريد تدرس خططاً تدريجية لزيادة الإنفاق العسكري. ومع ذلك، يبقى السؤال حول الجدية الزمنية لهذه الخطط، خاصة في ظل وجود معارضة سياسية داخلية قوية لزيادة الميزانيات العسكرية على حساب البرامج الاجتماعية.
من الناحية الجيوسياسية، يأتي هذا الجدل في وقت تشهد فيه إسبانيا تحولات عميقة في سياستها الخارجية، مع تنامي النزعات الانعزالية في بعض الأوساط السياسية. ويحذر خبراء العلاقات الدولية من أن استمرار هذا الاتجاه قد يعزل إسبانيا تدريجياً عن دوائر صنع القرار في أوروبا، ويقلص دورها كفاعل رئيسي في الأمن الأوروبي.
في الختام، تبرز أزمة الإنفاق الدفاعي الإسباني كواحدة من أكثر الملفات إثارة للجدل داخل الناتو. فبينما تواصل معظم الدول الأعضاء زيادة استثماراتها العسكرية استجابةً للمتغيرات الجيوسياسية الخطيرة، تظل إسبانيا متلكئة في سجلها الدفاعي. هذا الوضع لا يهدد فقط بمزيد من العزلة الدبلوماسية لمدريد، بل قد يقوض أيضاً التماسك الداخلي للحلف في فترة بالغة الحساسية. ومع استمرار الضغوط الدولية، سيتعين على القيادة الإسبانية أن تختار بين الاستمرار في سياسة التردد الحالية أو اتخاذ خطوات جادة لاستعادة ثقة حلفائها.