موسكو – (رياليست عربي): في خضم الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، برزت قضية إنتاج الذخائر العسكرية في أوروبا كأحد العوامل الحاسمة التي قد تحدد مسار الصراع. فمع استمرار القتال العنيف واشتداد الحاجة إلى تعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية، وجدت الدول الأوروبية نفسها أمام تحدٍ كبير يتمثل في ضرورة زيادة إنتاج الذخائر والمعدات الحربية لتلبية الطلب المتصاعد من الجبهة الأوكرانية.
وقد كشفت التقارير الحديثة أن أوروبا تعمل على مضاعفة جهودها في هذا المجال، لكن العقبات اللوجستية والصناعية والاقتصادية لا تزال تشكل عائقًا رئيسية أمام تحقيق الأهداف المرجوة.
تشير البيانات المتاحة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا وفرنسا وبولندا، قد رفعت بشكل ملحوظ من وتيرة تصنيع الذخائر منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. ففي السابق، كانت العديد من هذه الدول تعتمد على سياسات تقليص الإنفاق العسكري بعد نهاية الحرب الباردة، مما أدى إلى تراجع كبير في قدراتها الصناعية الدفاعية.
لكن مع تصاعد الأزمة الأوكرانية، اضطرت الحكومات الأوروبية إلى إعادة تقييم أولوياتها وضخ استثمارات ضخمة في تحديث المصانع العسكرية وتوسيع خطوط الإنتاج، ومع ذلك، فإن عملية زيادة الإنتاج لا تخلو من صعوبات جمة، حيث إن صناعة الذخائر تحتاج إلى وقت طويل وتقنيات متقدمة ومواد خام قد تكون نادرة في بعض الأحيان.
أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها أوروبا في هذا الصدد هو نقص بعض المكونات الأساسية المستخدمة في تصنيع الذخائر، والتي كانت تستورد في السابق من روسيا أو دول أخرى خاضعة الآن لعقوبات دولية، وقد أدى ذلك إلى تعطيل سلاسل التوريد، مما دفع الدول الأوروبية إلى البحث عن موردين جدد أو تطوير بدائل محلية، وهي عملية معقدة ومكلفة. كما أن صناعة الذخائر تتطلب عمالة مدربة ومتخصصة، وهو ما يشكل تحديًا إضافيًا في ظل ندرة الخبرات في هذا المجال بعد عقود من التراجع في الاستثمار العسكري.
من الناحية الاقتصادية، فإن تكاليف زيادة الإنتاج العسكري باهظة للغاية، حيث تحتاج الدول إلى ضخ مليارات الدولارات في تحديث البنية التحتية الصناعية وشراء المعدات اللازمة، وقد بدأت بعض الحكومات الأوروبية في إعادة توجيه جزء من ميزانياتها نحو القطاع الدفاعي، لكن ذلك قد يؤثر على برامج التنمية والخدمات الاجتماعية في المدى المتوسط، كما أن الاعتماد على الصناعات الحربية قد يعيد رسم السياسات الاقتصادية لأوروبا، حيث يمكن أن تصبح بعض الدول لاعبًا رئيسيًا في سوق التسلح العالمي، بينما قد تواجه أخرى صعوبات في مواكبة المنافسة.
على الصعيد الاستراتيجي، فإن زيادة إنتاج الذخائر الأوروبية سيكون له تأثير مباشر على مجريات الحرب في أوكرانيا. فالقدرة على تزويد الجيش الأوكراني بإمدادات مستمرة من الذخائر ستعزز من قدرته على الصمود في مواجهة الهجمات الروسية، وربما تمنحه فرصة لتحقيق تقدم ميداني، لكن الخبراء العسكريين يشككون في إمكانية أن تواكب أوروبا الطلب المتزايد على الذخائر إذا استمر الصراع لسنوات أخرى، خاصة أن روسيا لديها قدرة إنتاجية كبيرة وتعمل أيضًا على زيادة تصنيعها العسكري.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التوجه الأوروبي نحو تعزيز الصناعات الدفاعية قد يؤدي إلى تغييرات جيوسياسية عميقة. فمن ناحية، قد يعزز هذا التوجه التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي في مجال التصنيع العسكري، مما قد يؤدي إلى إنشاء مشاريع مشتركة طويلة الأمد، ومن ناحية أخرى، قد يزيد التنافس بين الدول الأوروبية على الموارد والتصنيع، خاصة إذا أصبحت صناعة السلاح مصدرًا رئيسيًا للدخل. كما أن زيادة الإنتاج العسكري قد يغير موازين القوى داخل أوروبا، حيث يمكن أن تبرز دول ذات قدرات تصنيعية متطورة كقوى عسكرية واقتصادية جديدة.
في الختام، يمكن القول إن إنتاج الذخائر في أوروبا يشكل عنصرًا حيويًا في دعم أوكرانيا عسكريًا، لكنه يواجه عقبات كبيرة قد تحد من فاعليته، فبينما تبذل الدول الأوروبية جهودًا كبيرة لزيادة إنتاجها، فإن التحديات الاقتصادية والصناعية تظل قائمة، كما أن استمرار الحرب لفترة أطول قد يفوق القدرات الحالية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستتمكن أوروبا من الحفاظ على هذا الزخم الإنتاجي، أم أن التكاليف الباهظة وتعقيدات التصنيع ستجبرها على التراجع؟ الإجابة على هذا السؤال قد تحدد ليس فقط مصير الدعم العسكري لأوكرانيا، ولكن أيضًا مستقبل الصناعة الدفاعية في أوروبا ككل.