القاهرة – (رياليست عربي): من وحي الماضي والحاضر والحقيقة والأسطورة.. من وحي واقعنا الغاص بالسخريات والعبثيات والعجائبيات.. من وحي تراثٍ عظيمٍ لا ينضب تركوه لنا الأشقياء المُصطفون؛ يروِّي جُدُوبة أرضنا، ويُثرِي ضحالة فكرنا، وينفث الأمل في عُنَّة أرواحنا..
- في ليلةٍ قمراء، صافيةِ السماء، حَطَّت على كتفي البومةُ العمياء، وقالت بعد حوقلةٍ في دهشةٍ وحياء:
- السيمُرغ الناري بُعبُعُ البازي التازي، يَحُطُّ قدامه على حين غِرَّة، ويفرد جناحيه الكبيرين القادرين، ويَرِفُّهما فوقاني تحتاني، ثم ينفث في وجه البازي لَظَّى الحميم. يهرع البازي الجبون إلى العُقاب الغبون ذي الذيل الأحمر، خائفًا مرتجفًا مستجديًا حماه. عندئذ يبدأ العُقاب في إملاء شروطه على البازي، وينهل منه ما يشاء من ذهبٍ أصفر وأسود، يكدسه في الخزائن، ويشيد به عُشُوشًا جديدةً له في ربوع البازي الخضراء وارفة الشجر، يانعة الزهر، بحُجَّةِ الحمايةِ المعهودةِ. من أعاجيب الزمان أن السلالة البازية النقية من أصول سيمُرغية، لكن البازي يأبى الاعتراف بعرقه العجمي، ويَغِضُّ البصر عن اِتفاق السيمُرغ والعُقاب خفيةً على إرهابه واِحتلابه من حين لآخر.
- مملكة السيمُرغ كانت إحدى الممالك الأربع في المعمورة، ملكت مشارق الأرض ومغاربها في قديم الزمان. كانت لها سُطوةٌ وحِذوةٌ وهيلٌ وهيلمانٌ، تهابها الممالك الأخرى وتجلَّها، لكن الثعالب المُعمَّمة المنتشرة في أنحاء المملكة مكروا مَكرةً باسم الكِتاب والحساب، خدعوا بها أهل المملكة الشرفاء، وضَرَّموا بهم نيران الثورة على السيمُرغ الشاهنشاهي. الفئران نخرت أسوار المملكة، وولجتها في جحافلٍ لا حصر لها، تقضي على الأخضرِ واليابسِ والحيَّةِ والجيفةِ. أما الأفاعي القابعة في الجُحور منذ دهور، فقد خرجت من تحت الأرض، وزحفت فوقها في آلافٍ مؤلفة، تَبُخُّ سمومها في كل حدبٍ وصوبٍ، وتغرس أنيابها في كل بضٍ وغضٍ. وجد السيمُرغ نفسه يقاتل وحيدًا، ومُلكه يتداعى أمام عينيه، وخاتمته قريبة لا محالة، خلع التاج المُطَوَّس، واعتمر العِمَّة المُقرَّنة، صاغرًا لمطالب الثعالب وجُندها من الفئران والأفاعي.
- السيمُرغ طائرٌ عجوزٌ أثقل الدهر كاهله بالنكسات والنكبات. لا يزال يحيا على أطلال الماضي المجيد، ويحلم بعودة مُلكه التليد، لكن رُتُوع الهيثم ذي النجمة الزرقاء، نَكَّاح العُقاب ذي الذيل الأحمر، في خان الصُلح الموعود وأدت هذه الأحلام في المُهود.
- السيمُرغ وارث السيف الذوالفقاري وحامله عبر الأحوال والأجيال، أفراخه موجودة ومتواجدة في الديار التازية منذ أبد الأبدين، والتشدق بكثرتها وتكاثرها لجاجة حديث فاجّ وماجّ.
- العلاقة بين مملكتي السيمُرغ والشاهين الملقب بـ “الحارس المحروس” لن تعود إلى سالف عهدها القريب، رغم المصالح المتأتية من تصالحهما. تكمن المعضلة الرئيسة في سياسة المملكتين. السيمُرغ منذ خَلع التاج المُطوَّس، واعتمار العِمَّة المُقرَّنة، طفق يحكم باسم الكِتاب والحساب. أما الشاهين فله تاريخ أغبر مغبور مع حَمَلة الكِتاب وأصحاب الحساب، حاربهم طويلًا على مدار سنوات متعاقبات حتى ألقى بهم في الدرك الأسفل، ولن يغامر بعقد تحالف قد يُغدِق عليه خيرات، ويغرقه في خيبات أكثر مما لديه من خيبات متراكمات.
- الشاهين صقرٌ قويٌ، جريءٌ، نبيلٌ، آبيٌ، نقيُّ السَّريرة، حاد البصر والبصيرة، واسعُ الحيلة؛ يحمي أشقاءه البُزاة رغم تآمرهم عليه، بحكم حدود مملكته المتاخمة لهم وتاريخه المَوشوج بتاريخهم، لكنه يعلم جيدًا خُبث طويتهم ونجاسة أذنابهم. يُحلِّق في شموخٍ وكبرياءٍ أمام البُزاة والعُقبان والهياثم مهما حاولوا جزَّ جناحيه الرحبين، والحيلولة دون ارتفاعه إلى عَنانِ السماء.
- الشاهين قديمٌ جدًّا كأرضه، ومملكته أقدم الممالك الأربع في المعمورة ومهد حضارتها. قد يتوارى خلف السُّحب حينًا، وقد يهجر السماء حينًا، لكن مكانه يظل باقيًا في جميع الأحيان مهما تكالبت على السماء الغِربان.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر
