موسكو – (رياليست عربي): تشهد العلاقات بين باكستان وأفغانستان توتراً متصاعداً في الفترة الأخيرة، حيث تبادل البلدان الاتهامات بتجاوز الحدود وتقديم الدعم للجماعات المسلحة، هذا التوتر ليس جديداً، بل يعود إلى حقبة الاستعمار البريطاني عندما تم رسم حدود “ديوراند” المثيرة للجدل عام 1893، والتي لم تعترف بها أفغانستان رسمياً حتى اليوم. تمتد هذه الحدود على مسافة 2670 كيلومتراً، وتشكل مصدراً دائماً للخلاف بين الجارين.
تتصاعد حدة التوتر حالياً مع تبادل الاتهامات بين الطرفين. من جهة، تتهم باكستان حكومة طالبان في كابول بدعم جماعة “طالبان باكستان” (TTP) التي تنفذ هجمات داخل الأراضي الباكستانية. ومن جهة أخرى، ترفض أفغانستان هذه الاتهامات وتعتبرها ذريعة لباكستان للتدخل في شؤونها الداخلية. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة تبادلاً للقصف المدفعي عبر الحدود، مما أسفر عن سقوط ضحايا من الجانبين، مما يزيد من مخاوف اندلاع مواجهة عسكرية أوسع.
تكمن خطورة الموقف الحالي في عدة عوامل. أولاً، الموقع الاستراتيجي للبلدين في منطقة جنوب آسيا الحساسة. ثانياً، وجود مصالح دولية كبرى في المنطقة، خاصة مع المشاريع الصينية في باكستان ضمن مبادرة الحزام والطريق. ثالثاً، التداعيات الإنسانية المحتملة على المدنيين في المناطق الحدودية الذين يعانون أصلاً من ظروف معيشية صعبة. رابعاً، احتمال استغلال الجماعات المتطرفة لهذا التوتر لتعزيز نفوذها في المنطقة.
من الناحية الاقتصادية، قد يؤدي التصعيد العسكري إلى تعطيل التجارة الحدودية التي تعتمد عليها أفغانستان بشكل كبير في استيراد السلع الأساسية. كما أن باكستان، التي تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية، قد تواجه ضغوطاً إضافية بسبب تكاليف أي مواجهة عسكرية محتملة. هذا بالإضافة إلى التأثير السلبي على المشاريع التنموية في المناطق الحدودية لكلا البلدين.
على الصعيد الإقليمي، يتابع الجيران مثل إيران والصين والهند التطورات بقلق. فالصين لديها استثمارات ضخمة في باكستان ضمن مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، كما أن الهند تربطها علاقات معقدة مع كلا البلدين. أما على المستوى الدولي، فإن الولايات المتحدة وحلف الناتو يتابعون الموقف عن كثب نظراً لمصالحهم الأمنية في المنطقة، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
تحاول عدة أطراف دولية وإقليمية لعب دور الوساطة لاحتواء الأزمة. فالصين، التي تتمتع بنفوذ كبير في باكستان، يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تهدئة الأوضاع. كما أن قطر، التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع طالبان، قد تكون قادرة على المساعدة في تخفيف التوتر. أما على المستوى الدولي، فقد حذرت الأمم المتحدة من مخاطر التصعيد، بينما دعت منظمة التعاون الإسلامي إلى الحوار بين الطرفين.
في الختام، يواجه البلدان خيارات صعبة في الفترة المقبلة، فاستمرار التصعيد العسكري يحمل مخاطر كبيرة لكلا الطرفين وللمنطقة بأكملها. بينما يبقى الحوار والتفاوض الخيار الأفضل لتجنب كارثة إقليمية، رغم الصعوبات السياسية والأمنية التي تعترض هذا المسار. إن حل هذه الأزمة يتطلب نظرة استراتيجية بعيدة المدى من قادة البلدين، مع الأخذ في الاعتبار المصالح المشتركة للشعبين المتجاورين.
