كيشنيناو – (رياليست عربي): في ظل تصاعد التوترات السياسية في أوروبا الشرقية، تبرز مولدوفا كواحدة من بؤر التوتر الجديدة بين الغرب وروسيا. وفقاً لتقرير نشرته وكالة “إيزفيستيا” الروسية، تتهم مصادر موالية لروسيا الحكومة المولدوفية بالتخطيط لاتخاذ إجراءات قوية ضد إقليم ترانسنيستريا الانفصالي الموالية لموسكو.، هذه التطورات تأتي في إطار الصراع الجيوسياسي الأوسع بين مولدوفا المدعومة من الغرب والمناطق الانفصالية المدعومة من روسيا.
يشير الخبير السياسي إيغور كارمازين في تقريره إلى أن حكومة مولدوفا بقيادة الرئيس مايا ساندو تعدّ لخطوات قمعية ضد إقليم ترانسنيستريا الذي أعلن انفصاله عن مولدوفا عام 1992 بدعم روسي، وتشمل هذه الخطط المزعومة عزز الإقليم اقتصاديًا وعسكريًا، مما قد يؤدي إلى مواجهات دامية، ترانسنيستريا، ذلك الشريط الضيق على الحدود الأوكرانية، يتمتع بحكم ذاتي فعلي منذ حرب 1992، ويستضيف قوات روسية تقدر بنحو 1,500 جندي.
السياق التاريخي لهذه الأزمة يعود إلى تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث أعلنت ترانسنيستريا انفصالها عن مولدوفا عام 1992. منذ ذلك الحين، ظل الإقليم تحت الحماية الروسية، بينما تعتبره مولدوفا ومنظمة الأمم المتحدة جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، روسيا تدعم الإقليم مالياً وسياسيًا عبر قروض ميسرة ومساعدات طاقة، بينما تحاول مولدوفا جذب الإقليم إلى فلكها السياسي والاقتصادي.
في فبراير 2024، اتهمت مولدوفا روسيا بـ”التدخل في شؤونها الداخلية” عبر دعم الانفصاليين في ترانسنيستريا، ردًا على ذلك، فرضت مولدوفا قيودًا على الواردات من ترانسنيستريا، مما أثر بشكل كبير على اقتصاد الإقليم الهش. هذه الإجراءات الاقتصادية تهدف إلى الضغط على الإقليم الانفصالي، لكنها قد تزيد من توتر الأوضاع.
من الناحية العسكرية، يشير محللون إلى أن أي عمل عسكري مولدوفي ضد ترانسنيستريا قد يدفع روسيا للتدخل مباشرة، خاصةً في ظل وجود قواتها هناك، هذا السيناريو قد يُشعل صراعًا إقليميًا أوسع، يشمل أوكرانيا المجاورة التي تخشى تحول ترانسنيستريا إلى قاعدة روسية إضافية. القوات الروسية الموجودة في الإقليم، وإن كانت محدودة العدد، تمثل ورقة ضغط مهمة لموسكو في المنطقة.
اقتصاديًا، تعتمد ترانسنيستريا بشكل شبه كامل على الدعم الروسي. العقوبات المولدوفية الأخيرة تهدد بإفقار السكان الذين يقدر عددهم بنحو 500,000 نسمة، مما قد يزيد السخط ضد حكومة كيشيناو، العديد من المصانع في الإقليم، خاصة تلك التابعة لشركة “شيريف” العملاقة، تواجه صعوبات في تصدير منتجاتها بسبب القيود الجديدة.
على الصعيد الدولي، يظهر الانقسام واضحًا في مواقف القوى الكبرى. الاتحاد الأوروبي يدعم مولدوفا سياسيًا واقتصاديًا، لكنه يحذر من تصعيد العنف الذي قد يؤدي إلى عدم استقرار إقليمي، من جهتها، أوكرانيا التي تخوض حربًا ضد روسيا منذ 2022، قد تقدم دعمًا خفيًا لمولدوفا في مواجهتها مع الانفصاليين المدعومين من موسكو.
هناك عدة سيناريوهات محتملة لتطور الأزمة. الأول هو اللجوء إلى التفاوض الهش، حيث قد تضطر مولدوفا وروسيا إلى طاولة المفاوضات لتجنب الحرب، لكن الثقة بينهما معدومة بعد سنوات من التوتر، السيناريو الثاني هو تصعيد محدود، حيث قد تشهد المنطقة عمليات عسكرية متفرقة تدفع روسيا لتعزيز وجودها، دون مواجهة مباشرة مع حلف الناتو، أما السيناريو الثالث فهو التدخل الدولي عبر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) لفرض وقف إطلاق النار إذا انفجر الصراع.
الأزمة في مولدوفا وترانسنيستريا تمثل اختبارًا جديدًا للاستقرار في أوروبا الشرقية، وسط صراع النفوذ بين روسيا والغرب، بينما تتهم موسكو كيشيناو بـ”قمع” الانفصاليين، تُصر مولدوفا على حقها في استعادة سيادتها الكاملة على كامل أراضيها. النتيجة النهائية قد تحددها الموازنات العسكرية والاقتصادية، لكن التكاليف البشرية ستكون الأعلى على المدنيين العالقين في النزاع.