بروكسل – (رياليست عربي): بدأت المرحلة الثانية من مناورات حلف الناتو “Defender 2025” والتي تُعد من أكبر التدريبات العسكرية للحلف، حيث تشهد مشاركة عشرات الآلاف من الجنود ومئات الوحدات العسكرية من مختلف الدول الأعضاء، وتأتي هذه المناورات في وقت تشهد فيه المنطقة الأوروبية توترات غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، وسط تصاعد المواجهة بين الغرب وروسيا على خلفية الحرب الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من عامين.
تهدف هذه التدريبات العسكرية الضخمة إلى اختبار قدرات الحلف على الانتشار السريع للقوات عبر مسافات طويلة، وتعزيز التنسيق بين الجيوش المختلفة الأعضاء في الناتو. كما تركز المناورات على محاكاة سيناريوهات دفاعية متقدمة ضد تهديدات محتملة، مع استخدام أحدث التقنيات العسكرية في مجالات الحرب الإلكترونية وأنظمة الذكاء الاصطناعي. وتجري التدريبات في مواقع متعددة بأوروبا، مع تركيز خاص على المناطق القريبة من الحدود الروسية.
في السياق الجيوسياسي، تأتي هذه المناورات في ظل ظروف بالغة الحساسية. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، شهدت العلاقات بين روسيا وحلف الناتو تدهوراً غير مسبوق. وقد زاد من حدة التوترات انضمام فنلندا إلى الحلف مؤخراً، بينما تلوح في الأفق إمكانية انضمام السويد أيضاً. هذه التطورات تعتبرها روسيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وقد حذرت مراراً من عواقب توسع الناتو شرقاً.
من جهة أخرى، يؤكد قادة الحلف أن هذه المناورات هي تدريبات دفاعية روتينية، تهدف إلى ضمان استعداد القوات للتعامل مع أي تهديدات محتملة. ويشير محللون عسكريون إلى أن حجم ونطاق هذه التدريبات يتجاوز ما كان معتاداً عليه قبل الحرب الأوكرانية، مما يعكس تغيراً في استراتيجية الناتو تجاه روسيا.
أثارت هذه المناورات ردود فعل غاضبة من الجانب الروسي. فقد وصفت وزارة الدفاع الروسية التدريبات بأنها “استفزازية” و”غير مسؤولة”، محذرة من أنها قد تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. كما أعلنت موسكو عن نيتها لاتخاذ “إجراءات ردية” لضمان أمنها، بما في ذلك تعزيز وجودها العسكري في بعض المناطق الاستراتيجية.
على الصعيد الدولي، يرى مراقبون أن هذه التطورات تعكس تصاعداً خطيراً في التوتر بين القوى النووية الكبرى، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الأمن العالمي. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول الأوروبية إلى تعزيز دفاعاتها، تزداد حدة الخطاب العسكري من كلا الجانبين، مما يقلص مساحة الدبلوماسية والحلول السياسية.
في الختام، بينما تؤكد دول الناتو على حقها في إجراء التدريبات الدفاعية، يبقى السؤال حول تأثير هذه الخطوات على الاستقرار الإقليمي والعالمي. ففي ظل الأجواء المشحونة والخطاب المتصاعد، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في سياسات الردع المتبعة، والبحث عن سبل جديدة لخفض التصعيد، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول أوروبا مرة أخرى إلى ساحة مواجهة مفتوحة.