رياليست عربي│ أخبار و تحليلات

Русский/English/العربية

  • أخبار
  • خبراؤنا
  • حوارات
  • الآراء التحليلية
لا توجد نتائج
اقرأ كل النتائج
رياليست عربي│ أخبار و تحليلات
  • أخبار
  • خبراؤنا
  • حوارات
  • الآراء التحليلية
لا توجد نتائج
اقرأ كل النتائج
رياليست عربي│ أخبار و تحليلات

العنكبوت المقدس: رحلة زهراء إبراهيمي من الفضيحة الأخلاقية إلى السعفة الذهبية

محمد سيف الدين محمد سيف الدين
يونيو 5, 2022, 09:00
الآراء التحليلية
الممثلة الإيرانية زهراء إبراهيمي

الممثلة الإيرانية زهراء إبراهيمي

فازت الفنانة الإيرانية “زهراء إبراهيمي” بجائزة أفضل ممثلة من مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ 75 عن فيلم “العنكبوت المقدس”Holy Spider ، وبهذا تصبح أول ممثلة إيرانية تحصل على هذه الجائزة المرموقة التي حصلت عليها سابقاً وجوه سينمائية مشهورة في جميع أنحاء العالم مثل: الإيطالية صوفيا لورين  Sophia Loren، والفرنسية إيزابيل أوبير Isabelle Huppert،‏ والإنجليزية هيلين ميرين  Helen Mirren، والأمريكية جوليان مور Julianne Moore.

وقالت إبراهيمي أثناء استلامها الجائزة: “إن السعادة والنجاح بالنسبة ليّ لهما معاني عامة وجماعية، فعلى الرغم من أنني في هذه اللحظة سعيدة جداً، إلا أن جزءاً من كياني حزين على الشعب الإيراني الذي يواجه كل يوم مشكلات عديدة. قلبي مع عبادان، قلبي مع كل إيران. أنا هنا.. لكن قلبي مع الشعب الإيراني نساءً ورجالاً”. وذلك في إشارة من إبراهيمي إلى تضامنها مع أهالي ضحايا انهيار قسم كبير من مبنى “متروبول” التجاري في مدينة عبادان، متسبباً في مصرع 34 شخصاً، وكان المبنى قيد البناء.

البداية والصعود والهبوط

ولدت زهراء (زَر) أمير إبراهيمي عام 1981، ودرست فن التمثيل المسرحي في جامعة طهران للفنون. بدأت علاقتها بالسينما قبل دراسة الفن، حيث قامت بإخراج فيلم قصير بعنوان “خت” عام 1999، كما عملت في مجال التصوير الفوتوغرافي، وأقامت معرضين؛ الأول بعنوان “ديد اول: نظرة أولى”، والثاني بعنوان “ديد دوم: نظرة ثانية”. كان ظهورها الأول على شاشة السينما وهي في الـ 19 من عمرها في فيلم “انتظار” للمخرج “محمد نوري زاد” عام 2000، ثم فيلم “سفر به هیدالو: رحلة إلى هیدالو” للمخرج “مجتبى راعي” عام 2005، لكن بزغ نجمها في عالم التمثيل في عدد من المسلسلات التلفزيونية.

في ذلك الوقت كان مخرج المسلسلات الإيرانية “قاسم جعفري” غزير الإنتاج، فاستعان بإبراهيمي في مسلسلين دينيين؛ “کمکم کن: ساعدني”، و”غریبانه: ليلة الغرباء”، وقد عُرضا على التوالي في شهري رمضان والمحرم عام 2004، لكن العمل الذي جعل منها وجهاً فنياً معروفاً هو المسلسل الإيراني المحبوب “نرگس: نرجس” للمخرج “سيروس مُقدم” عام 2006.

كانت إبراهيمي تؤدي في هذا المسلسل دور “زهرة”، إحدى ابنتي السيد “محمود شوكت” الذي لعب دوره “حسن بور الشيرازي”، وكانت “زهرة فكور صبور” تؤدي دور “بري” ابنته الأخرى. وجسدت “بوبك گُلدَرة” دور “نرجس” بطلة العمل، لكن في منتصف عرض المسلسل تعرضت گلدرة لحادث سيارة، دخلت على إثره في غيبوبة، وبعد 8 شهور وافتها المنية، فتم استبدالها بالممثلة “ستارة إسكندري”.

لكن الأزمة الكُبرى التي واجهت المسلسل في ذلك الوقت، لم تكن وفاة بطلته واستبدالها بأخرى فحسب، بل الفضيحة المدوية التي طالت إبراهيمي، وقلبت حياتها رأساً على عقب، وجعلت هيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية تمنع عرض أعمالها كافة على القنوات الحكومية. فعقب عرض الحلقة الأخيرة من نرجس، انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من الوسائط الإلكترونية فيلم، تظهر فيه إبراهيمي ومساعد مخرج شاب يُدعى “شهريار شهامت” وهما يمارسان “علاقة حميمة”، فأُلقي القبض عليهما، وبعد ذلك اتضح أنهما لم ينشرا هذا الفيلم، فأُطلق سراحهما مؤقتاً.

في تلك الفترة ترددت شائعة تقول إن ممثل مسرحي متورط في هذه القضية تم إدانته وحُكم عليه بالحبس بسبب سرقة الفيلم ونشره، وفي الوقت نفسه أنكرت إبراهيمي في حوار لها مع صحيفة “الجارديان” The Guardian البريطانية ظهورها في هذا الفيلم، لكن بعد سنوات كشفت الحقيقة على نحو ما سنراه.

عواقب نشر الفيلم والفرار من إيران

على الرغم من أن إبراهيمي قد أُطلق سراحها بعد إلقاء القبض على المتهم الأول (الممثل المسرحي)، إلا أنها ظلت المتهمة الثانية في القضية، وكانت قد مُنعت من السفر، وأُطلق سراحها بكفالة، لكن في صبيحة يوم مثولها أمام المحكمة، وكان من المرجح أن يصدر حُكم بحبسها، فرت من إيران متوجهة إلى فرنسا، فحُكم عليها غيابياً بالجلد 90 جلدة والمنع من العمل في جميع المجالات الفنية والتمثيلية لمدة 10 سنوات جراء ممارسة “علاقة غير مشروعة”.

وكانت إبراهيمي قبل مغادرتها إيران قد أقامت معرض صور، ونشرت صحيفة “هم‌ميهن” حواراً معها، وظهرت صورتها كاملة على إحدى صفحات الصحيفة. وكتبت الصحفية “سما بابائي” التي أجرت الحوار، عبر صفحتها الشخصية على موقع “إنستجرام”، أن هذا العدد من الصحيفة كان قد صدر صباح يوم الخميس، وفي اليوم التالي أثناء صلاة الجمعة في طهران نُظم احتجاج بسبب نشر حوار مع إبراهيمي وصورة لها. ووفقاً لما ذكرته بابائي تم وقف الصحيفة اعتباراً من يوم السبت بسبب نشر هذا الحوار.

وخلال تلك الفترة استعان الشاعر والموسيقي والمطرب الإيراني “محسن نامجو”، المقيم حالياً في الولايات المتحدة، بعدد من الصور الفوتوغرافية التي قامت بتصويرها إبراهيمي، في فيديو كليب أغنيته المشهورة “زُلف”. وکان نامجو آنذاك مغني “تحت الأرض” في إيران، يصنع أغانيه بشكل سري لاحتوائها على مضامين معارضة للنظام.

وطوال عقد من الزمان التزمت إبراهيمي الصمت، ولم تُنشر عنها أية أخبار، إلى ظهرت في فيلم “مهریه و دموکراسی: المهر والديمقراطية” للمخرج “رضا رحيمي” عام 2018، وحصلت عنه على جائزة من مهرجان نيس بفرنسا، وقد تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية خبر هذه الجائزة وأصداءها.

 الخروج عن الصمت بعد 13 عاماً

في عام 2019 كشفت إبراهيمي خلال لقائها مع المقدم “سينا ولي الله” في برنامج “چند شنبه با سینا: کل سبت مع سینا” المذاع على قناة “إم بي سي فارسي  MBC Persia”، أن الشخص الذي نشر فيلمها مع شهريار شهامت، هو الممثل المسرحي “مجيد بهرامي”. وكان بهرامي قد وافته المنية عام 2014 على إثر إصابته بمرض السرطان، وخلال سنوات علاجه، أُقيم عدد من المحافل الثقافية في إيران لمساعدته على توفير نفقات العلاج، بما في ذلك إقامة مزاد صور بمعهد الفنانين المخضرمين، وبيع عدد من الأعمال في معرض المسرح الإيراني للصور. وقد وصفت إبراهيمي خلال هذه المقابلة المتلفزة بهرامي بأنه صديقها وزميلها السابق، وقالت: “إن ذكر اسمه أمر صعب عليها، لدرجة أنها أثناء الحوار لم تكن متأكدة من أنها ستذكر اسمه أو لا”.

وطبقاً لحيثيات القضية في ذلك الوقت، كان بهرامي قد اعترف أن إبراهيمي كانت تقيم في منزل شقيقة شهريار شهامت، وفي إحدى حفلات الضيافة المقامة بالمنزل، وجد مصادفة مقطعاً مصوراً على الحاسوب الشخصي لإبراهيمي، فنسخه على قرص مدمج، وأخذه معه سراً.

عقب المقابلة المتلفزة، قالت إبراهيمي في ردها على سؤال لشبكة “بي بي سي فارسي” BBC Persian؛ لماذا التزمت الصمت طوال هذه السنوات: “إن الوضع برمته طيلة السنوات الـ 13 المنصرمة قد أدخلني في لعبة أجبرتني على إنكار أمر لم أخجل منه حرصاً على سلامتي وسلامة أسرتي”. كما أوضحت أنها لم تكن قد اتخذت قراراً بعد حتى تصرح باسم ناشر الفيلم المثير للجدل، ولكن أثناء المقابلة اكتشفت أنها طيلة هذه السنوات كانت تشعر بأنها يجب أن تقول الحقيقة حتى لا تسقط من ذاكرة التاريخ. وقالت إبراهيمي عن إحساسها بعد الخروج عن الصمت: “أشعر بسعادة غامرة لأنني قلت الحقيقة للشعب الإيراني بصوت عال”.

وصرحت إبراهيمي كذلك لشبكة “بي بي سي فارسي” أنها لم تسع إلى النيل من بهرامي أثناء علاجه، على الرغم من أنه كان ينتقد تعامل السلطة القضائية وأصدقائه والناس معه بخصوص هذا الأمر.

وكان قد حُكم على مجيد بهرامي عام 2007 بالحبس لمدة سنة وغرامة مالية و74 جلدة بتهمة نشر فيلم إباحي وخاص، كما حُكم عليه بالحبس لمدة 5 سنوات بتهمة التحريض على الفساد وممارسة الرذيلة وتسهيلها، لكن بعد قضاء عدة أشهر في السجن، أُطلق سراحه، واستكمل نشاطه الفني حتى إصابته بالسرطان.

وقد استأنفت إبراهيمي نشاطها الفني بالتمثيل في أعمال المخرجين الإيرانيين المقيمين بالخارج، فكانت من بين من قاموا بالأداء الصوتي في فيلم الرسوم المتحركة “طهران تابو” للمخرج “علي سوزنده” عام 2017. وقد عُرض الفيلم لأول مرة في قسم “أسبوع النقاد” بمهرجان كان عام 2017، ثم ظهرت في فيلم ” فردا آزادیم: غدا سنكون أحراراً” للمخرج “حسين بورسيفي”، وهو من إنتاج ألمانيا، وقد عُرض بها عام 2019.

العنكبوت المقدس

يعد فيلم “العنكبوت المقدس” أهم أعمال إبراهيمي حتى الآن، وذلك من قبل مشاركته في مهرجان كان وفوزها بجائزة أفضل ممثلة، وكان مخرج الفيلم “علي عباسي” السويدي من أصل إيراني والمقيم في الدنمارك قد حصل عام 2018 على جائزة أفضل فيلم في قسم “نظرة ما” من مهرجان كان عن فيلمه “مرز: الحدود”، كما رُشح الفيلم لجائزة أوسكار أفضل مكياج.

العنكبوت المقدس فيلم دراما بوليسية – تشويقية من سيناريو وحوار علي عباسي، وأفشین کامران بهرامي، وبطولة زهراء إبراهیمي، ومهدي بَجستاني، وعدد من الممثلين الآخرين، وإنتاج شركتي “بروفايل بيكتشرز” Profile Pictures، و”وان تو فيلمز” One Two Films.

يستند الفيلم إلى واقعة حقيقية حدثت في إيران أواخر التسعينيات، وهي قصة قاتل متسلسل يُدعى “سعيد حنائي )1962: 2002)”، أشتهر إعلامياً باسم “العنكبوت القاتل”. كان حنائي عاملاً يعيش بصحبة عائلته (زوجته وابنه وابنته) في إحدى الأحياء الفقيرة بمدينة مشهد. وطبقاً لاعترافات حنائي أمام المحكمة، أن زوجته تعرضت لمحاولة اعتداء على يد سائق أجرة، فألقى اللوم على بائعات الهوى، وحمّلهن مسؤولية هذه الحادثة، لذا شرع في قتلهن. قتل حنائي في أقل من سنة واحدة 16 امرأة. وطبقاً لما يذكره أنه كان يريد تطهير المجتمع من “الفساد والرذيلة”، وعد نفسه مؤمناً ومتديناً. تم إعدام حنائي في 17 أبريل 2002، وكان يبلغ وقتها من العمر 40 عاماً.

القاتل الحقيقي سعيد حنائي

تبدأ أحداث الفيلم بتوجه سعيد (مهدي بجستاني) إلى مشهد لقتل بائعات الهوى، ولكن بعد مقتل عدد من النساء، ينتابه قلقاً شديداً بسبب عدم ترحيب المجتمع بهذه الجرائم، وذلك على خلاف اعتقاده بأنه ينفذ “أمراً إلهياً”. تبدأ وسائل الإعلام في تداول أخبار جرائم القتل، وتطلق على مرتكبها اسم “العنكبوت القاتل”، فتتوجه الصحفية رحيمي (زهراء إبراهيمي) من طهران إلى مشهد حتى تجري تحقيقاً حول هذه الجرائم. عندما يُلقى القبض على سعيد، ويُحكم عليه بالإعدام، يعتبره الرأي العام “بطلاً”.

عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان في 22 مايو 2022، وعقب العرض، لفت إليه الانتباه بشكل ملحوظ، وقوبل باستحسان كبير من قبل صناع السينما والنقاد، ووصل إلى قائمة الأفلام المرشحة للفوز بجائزة السعفة الذهبية كأفضل فيلم في دورة هذا العام، واعتبره بعض النقاد المرشح الأوفر حظاً للحصول على الجائزة، لكن في نهاية الأمر حصدت إبراهيمي عنه جائزة أفضل ممثلة فقط. من المقرر أن يُعرض الفيلم في دور العرض الفرنسية في 13 يوليو المقبل تحت اسم “ليالي مشهد” Les Nuits de Mashhad.

بوستر الفيلم

بدأ إنتاج العنكبوت المقدس فعلياً منذ عام 2016، وفي البداية سعى صناعه إلى التصوير في إيران، لكن هذا الأمر لم يتسن لهم حتى عام 2019، فيذكر مدير عام مكتب الرقابة على عرض الأفلام بمؤسسة السينما الإيرانية بوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي “روح الله سُهرابي”، أن فيلم العنكبوت المقدس كان قد تقدم بطلب الحصول على تصريح التصوير في إيران تحت اسم آخر، لكن مسؤولي مؤسسة السينما رفضوا الطلب. كما أعلن الممثل الإيراني “شهاب حسيني” في تعليق له عبر صفحته الشخصية على موقع “إنستجرام ” أنه قد تلقى عرضًا للتمثيل في الفيلم، لكنه رفض بسبب عدم اهتمامه بالموضوع وبرؤية المخرج.

بناءً على ذلك تقرر تصوير الفيلم في دولة الأردن أوائل عام 2020، ولكن بسبب جائحة كورونا، تأجل التصوير أكثر من مرة. وفي أواخر عام 2020 تقرر نقل التصوير إلى تركيا على إثر تخفيفها القيود المفروضة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، إلا أن السلطات التركية رفضت، ويذكر المخرج علي عباسي في هذا الصدد أن السبب وراء ذلك كان تدخل الحكومة الإيرانية. وفي النهاية تم التصوير في الأردن كما كان مقرراً، فبدأ التصوير في شهر مايو 2021، واستغرق 35 يومياً.

فريق عمل الفيلم في مهرجان كان

يتناول عباسي في العنكبوت المقدس موضوعين طالما يُحظر التطرق إليهما في السينما الإيرانية؛ الجنس وانتقاد العقيدة الدينية، فقد تعمد خلال أحداث الفيلم تصوير المشاهد الجنسية الصريحة، وإبراز المعتقدات المذهبية “الشيعية” العمياء، وكل هذا يدور في مدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة الاثني عشرية، حيث تحتض أرضها مرقد الإمام الثامن “على بن موسى الرضا”. وتبلغ قداسة هذه المدينة في نفوس الإيرانيين إلى أن من يزور العتبة الرضوية – أي مرقد الإمام الرضا – يُطلق عليه (المشهدي) أُسوة بمن يزور الكعبة المشرفة فيُطلق عليه (الحاج).

كما يسلط عباسي الضوء على قضية شائكة؛ وهي “القتل باسم الدين”، فبطل الفيلم كان يقتل بائعات الهوى بدافع معتقداته الدينية، وعد نفسه تلقى أمراً إلهياً بذلك شأنه شأن الأنبياء والرسول الموحى إليهم. وهنا يلقي عباسي بحجر ضخم في وجوه الجميع؛ فمن له الحق أن يمنح نفسه صكوكاً إلهيةً بموجبها يحلل، ويحرم، ويقتل، ويكفر، ويحاسب، ويحاكم، ويستوي على عرش الألوهية يدخل من يشاء الجنة، ويلقي بمن يشاء في النار؟ فالقضية هنا ليست قتل بائعات الهوى لأنهن يرتكبن إثماً من وجهة نظر القاتل، لكنها قضية أكبر من ذلك بكثير وأعمق وأخطر، فهي قضية منظور الآخرين لمن حولهم، وكيفية تعاملهم مع من يختلف عنهم، أو يتصرف بخلاف معتقداتهم، فالإرهابيون يكفرون ويرهبون ويقتلون من يختلف معهم أو عنهم فكرياً وعقائدياً باسم الدين، مستندين إلى رؤيتهم المتطرفة والمنغلقة والضحلة للشريعة الإسلامية.

على أية حال إن فيلم العنكبوت المقدس يحطم تابوهين من تابوهات السينما الإيرانية؛ الجنس والدين، وهما تابوهان لا يُحظر التطرق إليهما في إيران فحسب، لكن في أغلب البلدان الإسلامية والمجتمعات الشرقية.

احتجاج إيران على الفيلم

أثار عرض فيلم العنكبوت المقدس في مهرجان كان موجة من الغضب والتنديد الشديدين بين المسؤولين الإيرانيين ووسائل الإعلام الحكومية. وشنت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ومؤسسة السينما الإيرانية والصحف الحكومة حملات حادة على صناع الفيلم وبطلته زهراء إبراهيمي.

فقد صف وزير الثقافة والإرشاد الإيراني “محمد مهدي إسماعيلي” فيلم العنكبوت المقدس بأنه مثيرة للاشمئزاز وقبيح وغير واقعي، وذكر أن اختيار ه‍‍ذا الفيلم للمشاركة في مهرجان كان، قرار خطأ ومسيس ومغرض، يهدف إلى إبراز المجتمع الإيراني في صورة سيئة.

وأصدرت مؤسسة السينما الإيرانية بيانًا عن العنكبوت المقدس، أدانت فيه اهتمام مهرجان كان بالفيلم ومنح بطلته زهراء إبراهيمي جائزة أفضل ممثلة، واعتبرت هذه الخطوة مسيسة ومعادية لإيران. وقالت المؤسسة في بيانها: “إن هذا الفيلم ليس صنعية مسيسة فحسب، لكنه كابوس بصري سخيف، أفرزه عقل مشوش لشخص دنماركي من أصل إيراني – علي عباسي – وأنفقت عليه قوى الاستكبار”. وذكرت المؤسسة كذلك أن العنكبوت المقدس يُسيء إلى المعتقدات والقيم الإسلامية والشيعية، وهددت قائلةً: “إن صناع الفيلم قد حذوا حذو سلمان رشدي في آيات شيطانية”. وكان الخميني قد أصدر فتوى في 14 فبراير 1989 بهدر دم الكاتب البريطاني الهندي الأصل “سلمان رشدي” بسبب كتابه “آيات شيطانية”.

واتهمت مؤسسة السينما أيضاً مهرجان كان بالتوجهات السياسة والمغرضة، وقالت: “إن لجنة التحكيم قد وقعت عمدًا أو سهوًا في شرك منظمي مهرجان كان”. وفي ذلك إشارة إلى وجود المخرج الإيراني الحائز على جائزة الأوسكار “أصغر فرهادي” ضمن أعضاء لجنة تحكيم المهرجان هذا العام.

وهدد مدير عام مكتب الرقابة على عرض الأفلام بمؤسسة السينما “روح الله سُهرابي” قائلاً: “إن مؤسسة السينما انطلاقاً من مسؤوليتها، ستتخذ حتماً قراراً حيال صناع هذا الفيلم بما فيهم صناعه الرئيسيين والفرعيين، ومن لعبوا دوراً ما في تحضير الفيلم وإنتاجه، وستتعامل معهم”.

كما هاجمت صحيفة “كيهان” المحسوبة على التيار الأصولي والمقربة من الزعيم الإيراني “علي خامنئي” الفيلم بشدة في مجموعة من المقالات على صفحاتها، فكتبت الصحيفة منتقدةً اختيارات مهرجان كان هذا العام: “إن مهرجان كان أقدم على اختيار أفلام وسينمائيين إيرانيين بنهج مسيس، ومعاد لإيران، واختار أعمالاً تُسيء إلى الإيرانيين والدين الإسلامي باعتبارها تمثل السينما الإيرانية. الأفلام الإيرانية المشاركة في مهرجان كان تم قبولها لأنها معادية لإيران والإسلام، وليس لقوتها الفنية والسينمائية. إن فيلم العنكبوت المقدس قد نسب سلوك قاتل متسلسل كان يقتل بسبب اضطرابه النفسي إلى القيم الإيرانية – الإسلامية”.

وكانت مؤسسة السينما الإيرانية وصحيفة كيهان قد اتهمتا صناع فيلم العنكبوت المقدس بسرقة السيناريو، وذكرتا أن صناع الفيلم قد اختاروا موضوع قاتل متسلسل على الرغم من أن هناك فيلم إيراني آخر يحمل المضمون نفسه واسماً مشابهاً قد عرض على شاشات السينما الإيرانية منذ عام مضى.

ويُذكر أن قصة القاتل “سعيد حنائي” قد قُدمت أكثر من مرة في السينما الإيرانية، ففي عام 2001 قام “مازيار بَهاري” بإخراج فيلم وثائقي عن حنائي وجرائم قتله بعنوان “و عنكبوت آمد: وجاء العنكبوت”، وقد تضمن الفيلم حواراً مع حنائي. وفي أواخر عام 2020 أخرج “إبراهیم إیرج ‌زاد” فيلمًا بعنوان “العنكبوت” عن حنائي أيضاً، وهو الفيلم الذي أشارت إليه مؤسسة السينما الإيرانية وصحيفة كيهان.

جدير بالذكر إلى جانب فيلم العنكبوت المقدس، شارك الفيلم الإيراني “برادران لیلا: أخوة ليلى” من تأليف وإخراج “سعيد روستايي” في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، واستطاع اقتناص جائزة أفضل فيلم من لجنة تحكيم “الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين”، وقد أهدى روستايي الجائزة لأهالي عبادان. الفيلم من بطولة نخبة من نجوم الصف الأول في إيران؛ ترانة علي دوستي، ونوید محمد زاده، وبیمان معادي، وفرهاد أصلاني، ويتناول قصة أسرة تعاني من ضائقة مالية. وفي الفيلم إشارات إلى احتجاجات العمال الإيرانيين بسبب سوء أوضاعهم الاقتصادية، وتقاعس الحكومة عن توفير رواتبهم وحقوقهم المالية، بالإضافة إلى عدد من القضايا الأخرى، مما أثار تكهنات عن سقوط الفيلم تحت سكين الرقابة في حال عرضه بإيران.

خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه فى الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.

مهرجان كانالعنكبوت المقدسزهراء إبراهيميمواضيع شائعةإيرانعلي خامنئيمشهدعبدان
الموضوع السابق

أردوغان ورسالة المزهريات التركية إلى زعماء العالم

الموضوع القادم

ديناميكية الأمن المتطورة في غرب آسيا وتحديات الهند

مواضيع مشابهة

صورة.جلوبال برس
الآراء التحليلية

إيران تعلن استعدادها لاستئناف المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.. هل تلوح نهاية الأزمة في الأفق؟

يوليو 13, 2025
صورة.إزفستيا
الآراء التحليلية

تصاعد الأزمة الأوكرانية.. ترامب يهدد روسيا بعقوبات قاسية وزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا

يوليو 12, 2025
صورة.تاس
الآراء التحليلية

روبيو يرعى مفاوضات مع حلفاء الناتو لنقل أنظمة “باتريوت” الدفاعية إلى أوكرانيا

يوليو 11, 2025
صورة. orientxxi.info
الآراء التحليلية

د. خالد عمر: استقبال وفد من أئمة أوروبا في القدس

يوليو 10, 2025
صورة. apa-inter
الآراء التحليلية

التحول الكبير: بين احتضار النظام القديم ومخاض ولادة الجديد

يوليو 10, 2025
صورة.ريا نوفوستي
الآراء التحليلية

ما نتائج قمة البريكس في البرازيل وما هي التوقعات من رئاسة الهند؟

يوليو 9, 2025
مواضيع شائعة
مواضيع شائعة

كل الحقوق محفوظة و محمية بالقانون
رياليست عربي ©️ 2017–2025

  • من نحن
  • مهمة وكالة أنباء “رياليست”
  • إعلان
  • سياسة الخصوصية

تابعنا

لا توجد نتائج
اقرأ كل النتائج
  • أخبار
  • خبراؤنا
  • حوارات
  • الآراء التحليلية

Русский/English/العربية