دمشق – (رياليست عربي): لعل أبرز مفصل لظهور مصطلح الحقوق في القرن العشرين تجلى مع مبادئ ويلسون الأربعة عشر، وهي 14 مبدأ قدمت من قبل رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون للكونغرس الأمريكي في تاريخ 8 يناير/ كانون الثاني 1918، ركز فيها على ١٤14 مبدأ للسلم ولإعادة بناء أوروبا من جديد بعد الحرب العالمية الأولى.
واستفاد وقتها من الظرف السياسي حيث المستعمرات الأوروبية في العالم والنزاع بين الدول عليها شكلت الأرضية لقيام الحرب العالمية الأولى وعليه فإن تلك المبادئ ظهرت في وقت تلعق الإنسانية فيه جراحها من تلك الحرب الضروس والحرب كارثة بشرية ليست من صنع الطبيعة بل بقرار وأطماع بشرية مما منح تلك المبادئ شرعية بشكل أوليّ هذا من جهة ومن جهة ثانية كانت الولايات المتحدة قد خاضت صراعاً مع الاستعمار نحو التحرر وخاضت أيضاً حرباً أهلية مع وضد العبودية وانتصرت الدولة عبر احتواء أزمة العنصرية وقلنا احتواء لأنها لم تتمكن من إنهاء العنصرية لكنها احتوتها بقوالب القوانين بين مد وجذر، ولكن بالتأكيد شكل ذلك الواقع أرضية لرفع شعارات السلام.
حقيقة الأمر كان الغطاء الأخلاقي للدولة القوية الغنية الصاعدة أي الولايات المتحدة للمطالبة بحصتها في المستعمرات وإعلان وجودها على ساحة النفوذ السياسي من بوابة حق تقرير المصير للشعوب بمعنى مناكفة الدول الاستعمارية في تلك المرحلة من أجل التفاوض معها وهو ما تبين سريعاً في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 للحلفاء المنتصرين وتوقيع معاهدة فرساي، وزار الملك فيصل وقتها باريس و التقى رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو وشرح له زعامة والده للحركة القومية العربية وأسفرت زيارته عن لجنة كينغ كراين، وزارت اللجنة، 36 مدينة عربية واستغرقت مدة تواجدها في المنطقة 42 يوماً واستمعت إلى أكثر من 1500وفداً من قرى مختلفة، وقُدمت إليها ما يزيد عن 1800عريضة، جميعها طالبت بالاستقلال والوحدة، وفي يوليو/ تموز 1919، قابل وفد المؤتمر السوري اللجنة الأمريكية، وأبلغوهم بطلبهم باستقلال سوريا الكبرى وإقامة نظام ملكي فيها.
وسلمت اللجنة تقريرها إلى الرئيس الأميركي ويلسون الذي كان مريضاً، وأهمل التقرير بعد تغيير ولسن موقفه بسبب معارضة مجلس الشيوخ “الكونغرس” له، لمخالفته سياسة منرو الإنعزالية التي تتبعها أمريكا منذ عام 1833، والتي تقضي بعدم التدخل في شؤون أوروبا وعدم تدخل أوروبا بشؤون أمريكا.
ولكن مما لاشك فيه إن حق تقرير مصير الشعوب المنصوص عليه في مبادئ ويلسون كان بوابة العلاقة مع العرب وبوابة التدخل الذي سيتصاعد وفقاً للمتغيرات السياسية الدولية العالمية وصولاً إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث اجتمع ممثلو خمسون دولة في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة ما بين 25 أبريل/ نيسان و26 يونيو/ حزيران 1945 في مؤتمر الأمم المتحدة حول التنظيم الدولي. ومن خلال العمل على مقترحات دومبارتون أوكس واتفاقية يالطا والتعديلات التي اقترحتها الحكومات المختلفة، وافق المؤتمر على ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الجديدة.
وهكذا توجت الولايات المتحدة الأمريكية العمل الحقوقي والعدل الدولي بقنبلتين نووييتين على هيروشيما ونغازاكي في أوغسطس/ آب 1945، وانتصار دموي لم يشهد له التاريخ مثيلاً في مخالفة كل الأعراف الإنسانية.
كل ماسبق هو مقدمة لتاريخ العمل الحقوقي الأممي وملفات الإنسانية ودلالة على احترام الشعوب وتقدير نضالاتها الإنسانية ونحن للأسف نكرس الترجمات حيث نتحدث عن الاستعمار، والاستعمار لفظة معناها تعمير الأراضي الواقعة تحت سيطرة الدول ليست بعيدة عن إعادة الإعمار بينما الحقيقة أننا نعتقد أننا نشرح بهذه الكلمة ماهية الاحتلال والسيطرة والنهب واستعباد الشعوب والمفهوم الكولينيالي، وهذا وحده مؤشر لاجترارنا لثقافتهم بما فيه حقوق الإنسان التي يصدرونها لنا مثل كونتينرات البالة وتماماً مثلما يحصل مع كونتينرات البالة يسرقها التجار والسماسرة ويبدلونها ونحن كشعوب نرتدي ما تبقى من أسمالهم الفكرية.
ولهذا فإن ما بُني على باطل فهو باطل فلا ملف إنساني في الأصل موجود، وبالتالي فما يحصل في هذا الملف هو فعل ورد فعل سياسي لامتصاص التناقضات العالمية وإعادة الهيمنة وكل على قدر مساحة سيطرته وما يتبقى من رجع صدى إعلامي لهذا التصدير المزيف هو مجرد حديث ببغاءات تصيح بقدر ما يتم تلقينها.
خاص وكالة رياليست – ميس الكريدي – كاتبة سورية – عضو اللجنة الدستورية المصغرة عن المجتمع المدني.