تعاني العاصمة الليبية طرابلس، والتي تتواجد بها كل المؤسسات السيادية الليبية، من حالة فوضوية شاملة كل جوانب الإدارية والمالية ، فمن الأمن المتردي ، إلى تسلط عناصر المليشيات على مؤسسات الدولة، إلى انتشار الفساد بين مسئولي الحكومة. حالة الفساد المستشرية في العاصمة الليبية، لا تتم دون علم الحكومة أو في الخفاء، بل تحدث أمام مرآى ومسمع المسئولين، وهؤلاء المسئولين، ينقسمون إلى قسمين، قسم مستفيد ويمرر ما يحدث، وقسم لا يستطيع أن يعبر عن رفضه.
وفي العاصمة الليبية تنفق أمولا طائلة بدون حسيب أو رقيب ، وبموافقة حكومة الوفاق، ولم يستفد من هذا الصرف الدولة أو الشعب في ليبيا، وكانت نتيجة هذا الفساد، هو تضخم ثروات فئة محدودة، استغلت تواجدها بقرب مؤسسات الدولة، واستفادت من الأداء الحكومي الضعيف. ولم تستطع مؤسسات الدولة الرقابية والقضائية، في طرابلس الليبية ، مجابهة الفساد المالي والاقتصادي المنتهج عبر حكومة الوفاق ، لأن أي اجراء ضد هذه التصرفات، يجب أن يمر بمحطات وآليات، عبر حصر المخالفات على مستوى الوحدات الحكومية، وبالتالي تمنع هذه الإدارات مرورها للتحقيق.
ويمثل غياب إطار قانوني وإداري منظم، واستمرار شخصيات حكومة الوفاق الحالية، لا يمكن أن يحقق شفافية ومحاسبة قانونية صحيحة ،لأن تواجد السلطة المسلحة خارج إطار المؤسسات الصحيحة ، يمنع وجود طبقة عازلة وشفافة تقف ضد أي اختراقات ، أو تحد من القدرة على التحكم المفرط في المال العام. ويشكل الفساد الحكومي في العاصمة الليبية، أسلوب ادارة يتبعه أغلب المسئولين في غرب ليبيا، وصارت مؤسسات الدولة مكان خصب لممارسة التعدي على أموال الدولة، ومع عجز الجهات الرقابية والقضائية عن ممارسة عملها، أتاح الفرصة للمسئولين الفاسدين، بالعمل بهذا الأسلوب بكل راحة.
وصارت الجهات الحكومية في طرابلس لا تتقيد كثيرًا بالقواعد المالية والقانونية ، سواء في العطاءات أو ترسية العقود، متذرعة بالظروف المحيطة الآن، وحالة الانقسام التي تعيشها ليبيا ، حتى لو كانت هذه التبريرات صحيحة، فهي لا تعطي المسئول الحق، في التصرف خارج القانون استنادا عليها . ورغم أن حكومة الوفاق ، عبر المدعي العام احالت بعض الشخصيات للتحقيق ، في عدة قضايا أطلقت عليها وصف قضايا “فساد” إلا أن المطلع على تفاصيل الوضع، يجد أن التحقيقات ، لم تطال سوى شخصيات في الظل، وحتى هذه الشخصيات لن يحكم عليها بأحكام قوية وفق القانون.
بل أن أكثر ما سيطالها الفصل من الوظيفة والسفر خارج ليبيا، وتحديدا إلى تركيا، حيث أن أغلب الشخصيات المستفيدة، من الفساد وسوء الإدارة في طرابلس، وضعت أرصدتها واستثماراتها في تركيا أو مالطا. كما يمثل قرار وزير الداخلية في حكومة الوفاق، والقاضي بمنع عناصره من المثول أمام تحقيقات المدعي العام ، جانبا من وجود مراكز القوة ، التي تستعصي حتى على الجهات القانونية والرقابية، في العاصمة الليبية طرابلس.
وتشير هذه الدلالات إلى مخاوف الليبيين من تجدد مثل الحالة، مع اطلاق حكومة جديدة ، بعد محادثات تونس، إذا استمرت المليشيات المسلحة في التواجد بقوة في العاصمة، وعدة مدن أخرى مثل طرابلس ومصراته والزاوية، وأيضا في حالة اتاحة الفرصة، لتواجد شخصيات من التيار الإسلامي المتشدد، في مؤسسات الحكومة الجديدة.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.