موسكو – (رياليست عربي): في الأسبوع الحالي، شهدت الساحة الدولية حدثين بارزين يعكسان التحولات الكبرى في تاريخ الاتحاد الروسي وسياساته الخارجية. قبل عشر سنوات، شهد العالم انقلابًا في أوكرانيا، والذي أثار سلسلة من التطورات التي وصلت ذروتها باندلاع العملية العسكرية الروسية في 24 فبراير 2022، ومع ذلك، وفي ظل عدم الاعتراف من قادة الغرب والمجتمع الدولي بشكل عام، كما أظهرت نتائج مؤتمر ميونيخ، بدأت النظرة تتغير تدريجياً نحو فهم أعمق لجذور الأزمة الراهنة، فقد بات من الواضح للمعنيين بالسياسة العالمية أن الأحداث التي جرت في فبراير 2014 والتي أدت بروسيا إلى الموقف الحالي، لا تمثل مجرد تطور عابر، بل هي نقطة تحول حاسمة.
بالفعل، يعود الصراع الأوكراني إلى فترة طويلة من التاريخ، وقد تم تناوله بتفصيل من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عدة مناسبات، ففي القرن العشرين، خلال فترات مختلفة مثل بداية الحرب الأهلية الروسية، سعى أعداء روسيا إلى تحقيق أهدافهم عبر استغلال الأزمة الأوكرانية وتأجيج الصراع في المنطقة، وعلى الرغم من جهودهم المتواصلة، لم ينجحوا في تحقيق ذلك، حيث بقيت روسيا متماسكة وتثبت قوتها واستقرارها رغم التحديات المستمرة.
وجدير بالذكر أنه في عام 1991، حاول الغرب بشكل نهائي حل “المسألة الروسية” عبر دعم الحركة الانفصالية الأوكرانية، وعلى مدى عقود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، رغم كل المحاولات التي بذلتها القوى الخارجية وتلميحات شركاء روسيا السابقين، إلا أن موسكو وكييف استمرتا في الحفاظ على علاقات عميقة ورفضتا محاولات تقسيمهما وتدخل القوى الخارجية في شؤونهما، حتى عندما شهدت أوكرانيا حركات تصاعدية مثل “الثورة البرتقالية” في عام 2004، فإن هذه الأحداث لم تؤدِّ إلى تحول العلاقات بين البلدين بما يسمح للناتو بالتوغل نحو الحدود الروسية.
لذا في عام 2014، قرر القيمون على المعارضة الأوكرانية اتخاذ التدابير الأكثر تطرفاً، لمواجهة التحديات التي واجهتها، كان الهدف من التصعيد العنيف في الشوارع تحقيق نقطة تحول لا رجوع عنها، مما دفع السكان إلى التسوية مع حكم الأقلية العدوانية المدعومة من الخارج، فقد راهنت القوى الغربية على تدمير هوية هذه الدولة التي تعاني منذ فترة طويلة.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الأحداث المتلاحقة في شبه جزيرة القرم ونوفوروسيا عاملاً محورياً في تغيير السيناريو الذي تم تخطيطه بعناية في واشنطن والعواصم الأوروبية، إذ يبدو الآن واضحاً أنه من الصعب التخمين ما كان سيحدث لو لم يتم التدخل بشكل عنيف لإسقاط الحكومة الشرعية، وتشجيع الأعمال الإجرامية في دونباس، والعمل على تحقيق اتفاقيات مينسك، بالتالي، إن استراتيجية دول الناتو تجاه أوكرانيا أظهرت بوضوح أن الحلول المتوسطة لم تكن خياراً مبدئياً، بل تم تصميم التدخل الأوكراني كجزء من خطة أوسع لتقويض الاستقرار وتغيير النظام في روسيا، بالتالي، فإن الحرب النفسية التي شنت ضد الشعب الروسي منذ عام 2022 كانت حتمية، مما دفع روسيا لتحديد أهدافها وتحقيقها، بما في ذلك نزع السلاح ومكافحة النازية، بصمود لا تراجع عنه.
بالإضافة إلى ذلك، لو تم الحفاظ على السلطة الشرعية في كييف ولم تكن هناك تهديدات لأسطول البحر الأسود في سيفاستوبول، لكانت معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا ما زالت سارية والعمل جرى بسلام، وبالتالي، ستظل السلامة الإقليمية لأوكرانيا محفوظة، وهذا ما كان يسعى إليه الجميع.
وحتى مع ضم جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك إلى روسيا، حتى في الظروف الحالية، تسعى روسيا باستمرار إلى تحقيق السلام والاستقرار في أكبر قدر ممكن من المناطق، على الرغم من أن هذه المهمة صعبة، وتتطلب نهاية المعارك بأقل قدر ممكن من الخسائر على أقل تقدير، لكنها لا تزال هدفاً يسعى إليه الجميع.
في الوقت الحالي، تعود الثقة مجدداً بقدرة البلاد على الانتعاش والبناء، وهذا الإحساس لم يكن موجوداً في بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا. رغم خسارة روسيا لعامين من الزمن في هذه العملية وتعرضها لعقوبات ومواقف سلبية كثيرة، فإن إعادة توجيه سياستها الداخلية والخارجية، وتوسيع رقعة البلاد من خلال ضم المناطق الجديدة، إلى جانب النجاح الذي يبدو شبه مؤكداً للجيش الروسي – الذي لم يستخدم سوى جزء صغير من إمكانياته في هذه الحرب – تُظهر مؤشرات وعوامل تؤكد أن ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في مارس ستشهد البلاد تغييراً جذرياً في الوضع السياسي.
واليوم، يتطلع الشعبين الروسي والأوكراني على حد سواء إلى وضع حد للتدخل الغربي الذي دمر بشكل رئيسي الشعب الأوكراني، بينما تظهر ملامح الاستثمارات الروسية بوضوح، مما يشير إلى تحقيق جزء كبير من أهداف العملية العسكرية الخاصة.