موسكو – (رياليست عربي): تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية تحركات مكثفة يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تمهيداً لزيارته المرتقبة إلى البيت الأبيض، حيث يسعى جاهداً لتحقيق اختراق دبلوماسي يُمكّنه من تقديم إنجاز ملموس على طاولة المفاوضات مع الإدارة الأمريكية.
ووفقاً لمصادر إعلامية روسية ودولية، يعمل نتنياهو على حث حركة حماس للوصول إلى اتفاق جديد، سواء عبر صفقة تبادل أسرى أو هدنة ممتدة، في خطوة تكتيكية تهدف إلى تعزيز موقفه التفاوضي وتخفيف الضغوط الدولية المتصاعدة على إسرائيل.
تأتي هذه التحركات في سياق معقد تشهده المنطقة، حيث تدخل الحرب في غزة شهرها التاسع دون تحقيق أي من الأطراف نصراً حاسماً. من الواضح أن القيادة الإسرائيلية تدرك أن الوقت لم يعد في صالحها، مع تزايد الانتقادات الدولية للخسائر البشرية الفادحة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، واتساع رقعة الاحتجاجات العالمية المنددة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، في هذا الإطار، يبدو أن نتنياهو يحاول تحويل المسار من المواجهة العسكرية إلى التسوية السياسية، مستفيداً من حاجة حركة حماس الملحة إلى أي مخرج يخفف من الحصار الخانق والدمار الشامل الذي تعانيه غزة.
من جهة أخرى، تواجه حركة حماس معضلة استراتيجية حقيقية، فمن ناحية، ترفض القيادة الفلسطينية أي صفقة تمس جوهر مشروعها المقاوم، خاصة تلك التي تشترط نزع سلاح المقاومة أو إنهاء حالة المواجهة مع إسرائيل بشكل دائم، ومن ناحية أخرى، فإن الواقع الميداني الصعب والضغوط الإقليمية المتزايدة تدفعها نحو مراجعة حساباتها، مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في غزة تشير إلى وجود تيار داخل الحركة يرى في قبول صفقة محدودة مدخلاً للحفاظ على مكتسبات المقاومة ووقف النزيف الإنساني الذي تعانيه القطاع.
تلعب العوامل الإقليمية دوراً محورياً في هذه المعادلة المعقدة. فمن ناحية، تواصل مصر وقطر جهودهما الوساطية، مستفيدتين من علاقاتهما المتشعبة مع مختلف الأطراف، ومن ناحية أخرى، تحاول إيران وحلفاؤها في “محور المقاومة” تعزيز صمود حماس، حيث يدركون جيداً أن أي تنازلات فلسطينية قد تضعف الموقف التفاوضي للمحور بأكمله، وفي الخلفية، تبرز تركيا كلاعب إقليمي يسعى لتعزيز نفوذه عبر دعمه للقضية الفلسطينية، وإن بخطاب أكثر اعتدالاً مقارنة بالماضي.
على الصعيد الدولي، تبقى الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في هذه المعادلة، حيث يسعى الرئيس جو بايدن إلى تحقيق أي تقدم دبلوماسي يمكنه توظيفه في حملته الانتخابية، لكن التحدي الأكبر للإدارة الأمريكية يتمثل في التوفيق بين دعمها التقليدي لإسرائيل والمطالب المتزايدة من قواعدها الانتخابية بتبني موقف أكثر توازناً إزاء الصراع، في المقابل، تحاول القوى الدولية الصاعدة مثل روسيا والصين استغلال أي فراغ أمريكي لتعزيز موطئ قدمهما في المنطقة، عبر طرح مبادرات سلام بديلة والدعوة إلى حلول أكثر شمولية.
من الناحية الاستراتيجية، قد تشكل أي صفقة محتملة بين إسرائيل وحماس نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي، فمن ناحية، قد تفتح الباب أمام إعادة ترتيب التحالفات الداخلية الفلسطينية، خاصة في ظل التباين الواضح بين مواقف حركة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في غزة، ومن ناحية أخرى، قد تؤثر هذه التطورات بشكل مباشر على موازين القوى الإقليمية، خاصة في ظل التصعيد المستمر بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية، والمواجهات المتقطعة في سوريا والعراق.
في الختام، يبدو أن نتنياهو يسابق الزمن لتحقيق إنجاز دبلوماسي يخفف من العزلة الدولية المتزايدة التي تواجهها إسرائيل، بينما تواجه حماس تحدياً وجودياً يتمثل في الحفاظ على مشروع المقاومة في ظل ظروف بالغة الصعوبة، وتبقى المفارقة الأكبر أن كلا الطرفين قد يكونان رهينة لمصالح وتوازنات إقليمية ودولية تتجاوز بكثير حدود الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التقليدي، في مشهد يعكس تعقيدات الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين.