طهران – (رياليست عربي): في منعطف مفاجئ قد يُعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية والدولية، قدمت إيران عرضاً نووياً جديداً للولايات المتحدة، يُعتبر الأكثر جرأة منذ انهيار الاتفاق النووي عام 2018، هذا التحرك، الذي توصف تفاصيله بـ “غير المسبوقة”، يأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تقف المنطقة على حافة الهاوية بين خيارات الحرب والدبلوماسية.
تشير مصادر دبلوماسية مطلعة إلى أن العرض الإيراني الجديد يتضمن ثلاثة محاور رئيسية: تخفيضاً ملحوظاً في مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، والسماح بتفتيش أكثر صرامة للمنشآت النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحد من أنشطة أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. في المقابل، تطالب طهران برفع فوري للعقوبات على قطاعات النفط والغاز والمصارف، وإطلاق أصولها المجمدة في الخارج.
هذا التطور يطرح عدة تساؤلات محورية حول الدوافع الإيرانية الحقيقية، فمن ناحية، يُفسر البعض الخطوة على أنها نتاج الضغوط الاقتصادية الخانقة التي تسببت بها العقوبات الغربية، حيث تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 8% خلال العام الماضي، وارتفاع معدلات التضخم إلى 45%، ومن ناحية أخرى، يرى مراقبون أن العرض قد يكون محاولة ذكية من طهران لاستباق أي تحرك عسكري إسرائيلي محتمل، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لمسؤولين إسرائيليين أكدوا أن “الساعة الرملية تنفد” فيما يخص الملف النووي الإيراني.
على الصعيد الأمريكي، يضع هذا العرض الإدارة الأمريكية أمام اختبار صعب، فمن جهة، هناك ضغوط جمهورية متصاعدة في الكونغرس ترفض أي تنازلات لإيران، ومن جهة أخرى توجد رغبة ديمقراطية في تجنب مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة. مصادر في البيت الأبيض أشارت إلى أن الإدارة تدرس العرض “بجدية”، لكنها تشترط ضمانات قاطعة بعدم تمكن إيران من تطوير سلاح نووي بأي شكل من الأشكال.
الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، تبدو حذرة لكنها متفائلة بإمكانية استغلال هذه الفرصة، فقد بدأت برلين وباريس اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف لبحث إمكانية عقد جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة، وفي هذا الصدد، صرح دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى لوسائل الإعلام أن “النافذة الدبلوماسية ما زالت مفتوحة، لكنها لن تبقى كذلك إلى الأبد”.
المشهد الإقليمي يبدو متأهباً لهذا التطور، حيث بدأت بعض العواصم العربية مراجعة حساباتها، فمن ناحية، هناك قلق سعودي وإماراتي من أي اتفاق قد يمنح إيران تنازلات دون معالجة ملفات الصواريخ الباليستية ودعم الميليشيات، ومن ناحية أخرى، تظهر بوادر تحول في الموقف القطري والعماني الذي يرحب بأي خطوة تخفف التوتر في المنطقة.
في الخلفية، يبرز سيناريو التصعيد العسكري كخيط رفيع يفصل بين الدبلوماسية والمواجهة، فالقوات الأمريكية في المنطقة ما زالت في حالة تأهب، بينما تواصل إيران تطوير قدراتها الصاروخية. الخبراء العسكريون يحذرون من أن أي فشل في المسار الدبلوماسي قد يدفع بالأطراف إلى خيارات عسكرية يصعب احتواء تبعاتها.
هذا المشهد المعقد يطرح سؤالاً مصيرياً: هل يكون العرض الإيراني الأخير بداية لانفراجة تاريخية، أم مجرد مناورة تكتيكية لكسب الوقت؟ الإجابة قد تحدد ليس فقط مصير الملف النووي، ولكن أيضاً مستقبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ما يبدو واضحاً هو أن الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد المسار، سواء نحو تسوية دبلوماسية أو مواجهة يصعب التنبؤ بعواقبها.