الجزائر – (رياليست عربي): سنحطم رئتي اليونان”. هكذا قال موسوليني، رئيس إيطاليا الفاشيتية، في إحدى خطبه، مشيراً إلى غزو الجيوش الإيطالية لليونان في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 1940، دون أدنى إعلان حرب يُذكر.
إلا أن المسألة على أرض الواقع كانت تقول له العكس، إذ ألحق الجنود اليونانيين، شمال بلدهم، هزائم مدوية بالجيش الإيطالي الغازي وهم من حطموا رئات آلاف وآلاف من الجنود الإيطاليين الغزاة. كل الشعب اليوناني اندفع في معركة الدفاع عن وطنه. توقفت حينها نشاطات بطولة كرة القدم في البلد والتحق عدة مناصرين ولاعبين من نادي أولمبياكوس اليوناني الشعبي بجبهة القتال، في صفوف الجيش اليوناني وشاركوا في معارك ضد العدوان الإيطالي.
لقد قاوم مناصرو ولاعبو أوليمبياكوس الغزو ببسالة، فمثلاً أصيب اللاعب خريستوفوروس راغوس بجروج خطيرة في اشتباكات جانفي 1941، ولم يستطع بعدها أن يلعب كرة القدم. تجمد ليونيداس أندريانوبولوس بسبب البرد الشديد وكاد أن يفقد حياته وأصيب نيكوس غريغوراتوس بجروح في معركة كليسورا.
دخلت الحرب العالمية الثانية سنة 1940 في عامها الثاني وكانت الدولة الإيطالية آنذاك برئاسة موسوليني تحلم ببعث الإمبراطورية الرومانية والتحكم في البحر الأبيض المتوسط وأن تجعل منه بحرها. Mare Nostrum كانت إيطالية الفاشيتية دولة استعمارية وكانت لا تزال تحتل وتستعبد عدد من البلدان والشعوب الإفريقية، وكانت كبريات الشركات الرأسمالية الإيطالية تستغل وتنهب ثروات وموارد ليبيا وإثيوبيا والصومال وإريتريا. يجب أن نذكر كذلك أطماع إيطاليا الاستعمارية على تونس وعلى مصر والسودان. أمّا ألبانيا فاحتلتها إيطاليا سنة 1939 وكانت نقطة انطلاق العدوان الإيطالي على اليونان.
لم تستطع الجيوش الإيطالية بعد عام من الحرب أن تحتل اليونان، متكبدة خسائر مادية وبشرية كبيرة، فتقهقرت إلى داخل الأراضي الألبانية ولاحقها هناك الجيش اليوناني، الأمر الذي دفع الإيطاليين إلى الاستنجاد بالقائد النازي هتلر وجيشه.
زحفت الجيوش الألمانية على اليونان قادمة من يوغسلافيا المحتلة ومن بلغاريا العميلة لها فاكتسحت الجيش اليوناني في غضون أسابيع واحتلت البلد واقتسمت أجزاء منه مع إيطاليا حليفتها.
عانى المدنيون اليونانيون كثيرا من ويلات الاحتلال فمات عشرات آلاف السكان بسبب المجاعة في اليونان في العامين الأولين (1941-1942) من الاحتلال الألماني، بسبب سياسة التجويع الرسمية التي مارسها النازيون الألمان ضد الطبقات الشعبية اليونانية. فعلى سبيل المثال في شهر ديسمبر/كانون الأول 1941 كان يموت جوعا في أثنيا 300 شخص.
بعد الاحتلال الألماني لليونان، هرب الملك اليوناني إلى انجلترا مع حاشيته، ولكن أبناء وبنات الأحياء الشعبية لم يركعوا ولم يهربوا وهكذا التحق لاعبو أولمبياكوس بالجيش اليوناني الشعبي للتحرير الوطني (ELAS) وقاتلوا ضد جنود الاحتلال الألماني والإيطالي في عديد الجبهات، في سبيل استرجاع استقلال وطنهم وتحرير أرضهم. نيكوس غوداس، نجم أولمبياكوس آنذاك، كان قائداً في جيش التحرير وتألق أيضا في ميدان المعركة رفقة زميله في النادي ميخاليس أناماتيروس. قاوم اللاعبان الاحتلال بالسلاح حتى رمقهما الأخير.
استشهد أناماتيروس في انتفاضة أثينا المسلحة، المعروفة شعبياً بـ”دِيكَمْفْرِيانا”، سنة 1944 التي دارت بين قوات الجيش الشعبي للتحرير الوطني والقوات المسلحة البريطانية وعملاءهم اليونانيين (من شرطيين ودركيين) الذين باعوا بلدهم للامبريالية البريطانية بعد أن باعوه سابقاً للامبريالية الألمانية. قصف البريطانيون بالطيران الحربي الأحياء الشعبية في العاصمة اليونانية أثينا. انفجرت الانتفاضة شهرين بعد تحرير أثينا من قبل الجيش اليوناني الشعبي وسببها كان إطلاق الجنود البريطانيين والشرطة اليونانية النار على تظاهرة سلمية لمدنيين متضامنين مع جبهة التحرير الوطني (الذراع السياسي للجيش الشعبي).
نفس الشرطة اليونانية العميلة التي شاركت مع جيش الاحتلال الألماني في قتل المدنيين والمقاومين هي التي قتلت مدنيين في التظاهرة. ولكن ماذا كانت تفعل القوات المسلحة البريطانية في اليونان علما أنها ليست هي من حرّرتها؟ الجواب هو أنها هي التي أعادت الملك وحاشيته وحكومته إلى اليونان، لأن النظام الملكي اليوناني كان تاريخياً خاضعاً لبريطانيا ويخدم مصالحها فكان تشرتشل، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، يريد الحفاظ على الملكية في اليونان وكان بالتالي يعارض قيام جمهورية يونانية وطنية وشعبية لا تقبل أي سيطرة أجنبية عليها. والجمهورية كانت أحد الأهداف السياسية التي ناضل من أجلها اليونانيون في جيش التحرير.
أما اللاعب نيكوس غوداس فمات شهيداً سنة 1948، مرتديا قميص ناديه المحبوب أوليمبياكوس، خلال الحرب الأهلية اليونانية، التي دارت بين الجمهوريين والملكيين.
خاص وكالة رياليست – محمد وليد قرين – قاص جزائري وأستاذ جامعي.