يبدو أن كل الجهود التي تبذل من قبل أطراف عديدة في ليبيا، سواء من بعثة الأمم المتحدة ، أو دول الجوار، أو بعض الدول الكبرى من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا، تصل دائما إلى حافة الفشل وتتوقف.
أبرز أسباب الفشل أن الجزء الرافض دوما ، والمتمركز في غرب ليبيا خصوصا قيادات الاسلام السياسي، وزعماء الفصائل والميليشيات يريدون أن يكون لهم النصيب الأكبر في السلطة الانتقالية، مهما تنوعت غاياتهم، لأنها غايات قذرة في المحصلة الختامية. تستمر الحوارات واللقاءات، وكل منها يحمل اسم دولة أو عاصمة أو مدينة، وفي مختلف القارات، غير أن كل هذه المحاولات ينقصها، أهم وسيلة للنجاح، وهي أن تكون مبادرات ومشاريع صادقة وشجاعة، وتسمي الأشياء بمسمياتها، وتواجه المخطئ بكل قوة ، وتدعم صاحب الحق بدون مجاملة.
باختصار الوضع الراهن في ليبيا والذي لم تعرفه كل الأطراف، التي تدعي تدخلها لصالح الليبيين، بأن الليبيين يدركون تماما أنهم هم الخاسرون بسبب هذه التداخلات من البعثة الأممية ، وكذلك من دول تدعي حرصها على مصالح الليبيين. الليبيون يدركون، بأن العالم يعرف أن الحل لن يكون مع المسلحين حلا سلميا، فالمشكلة في ليبيا ليست سياسية، بل هي في الأساس أمنية، ومن يريد العالم تقديمهم لليبيين كشركاء، مصنفين في عدة دول على أنهم جماعات ارهابية، وتحاربهم جيوش عالمية من أوربا وأميركا وروسيا، بينما تنقلهم تركيا، أمام أنظار هذه الدول وجيوشها، لتتصدى للجيش الليبي، الذي يدعمه أكثر من 90% من سكان ليبيا.
أيضا العالم يعرف بأن قادة الاسلام السياسي وزعماء الميليشيات الخارجة عن القانون، سواء بمواجهة الجيش دون دعم دول أخرى مثل تركيا وقطر، أو حتى في حالة حدوث انتخابات حرة ونزيهة، فالنتيجة ستكون هزيمتهم سواء ديمقراطيا أو عسكريا، لذلك يناور الاسلام السياسي ومليشياته ، ومن تحالف معه، لإطالة أمد الأزمة ، والغريب أن العالم، لم يتحرك ولو بتوجيه تحذير لهذه التيارات، بينما يعمل العالم بقوة، على أن لا ينفذ الجيش عملياته العسكرية ضد هذه التنظيمات الإرهابية، المسنودة بمرتزقة جلبتهم تركيا من كل بقاع العالم.
البعثة الأممية وعدة دول من العالم وكذلك بعض دول الجوار الضعيفة سياسيا ، يتصرفون من قناعات خاصة بهم وهذه القناعات، تدور حول آلية وجود دولة ليبية، غير قوية، وتكون طيعة للجميع، يستفيد منها الجيران، والعالم ككل، دون أن يكلفهم ذلك مشقة اقامة العلاقات، وأيضا دفع مقابل، لليبيا كمقابل لهذه العلاقات. هذه التداعيات خصوصا عدم تحرك الدول الكبرى بجدية، ضد التدخل التركي يجعل من بعض الجهود الأقرب “للمصداقية” من بعض الدول مثل الإمارات ومصر والسعودية، تبدو وكأنها جهود ضائعة لا طائل منها.
وكدليل على أن كل ما تقدمه الأمم المتحدة بعيد عن أن يكون حلاً واقعياً، والحال، هو عجز البعثة الأممية عن ايجاد مبعوث دوليّ آخر إلى ليبيا ، كما أن الإطاحة بأربعة أو خمسة مبعوثين سابقين. كما أن عملية اعتذار نيكولاي ميلادينوف عن هذه المهمة في ليبيا ، بل واستقال حتى من مهامه كمبعوث لأزمة الشرق الأوسط، مما يعني أن المهمة لها اشتراطات معينة، يجب أن لا يتولاها، إلا شخص ينفذ ما يملى عليه بشأن هذه المهمة.
عودة نغمة الحديث عن الحرب، من بعض قيادات الاسلام السياسي والمليشيات، وكذلك العسكريين والسياسيين الأتراك، ويسوقون محجج ما قالوا أنه رصد لقوات الجيش الليبي وهي تقيم تحصينات وتؤمن مواقعها فيما وراء الخط المرسوم لوقف اطلاق النار، وكأن تحصين المواقع وتأمينها عمل يجب أن لا يقوم به أي جيش في العالم، وإلا فسر من قبل الجيوش الأخرى، بأنه استعدادا للحرب عليها.
وظل العجب والاستغراب هو الظاهرة التي يقف أمامها الليبيون، فالعالم بأقماره الصناعية، وجواسيسه وطائراته وسفنه وبوارجه، لا يرى وإن رأي لا يتصرف حيال خروقات تركيا لقرارات مجلس الأمن، بينما تشتد لهجته وقوة خطابه، حين يتحرك الجيش الوطني للبلاد، لمحاربة الارهاب والخارجين عن القانون. إذا ما هو الحل ، وكيف ستتحرك هذه المياه الراكدة ، وتجد مجرى لها للحل ، إنه الشيء الوحيد الباقي رغم عدم “الترحيب به” وعدم الرضى عنه بشكل كبير، غير أنه هو الأسلوب الأجدى والأنجح لهذا الوضع ، إنها “الحرب” ولا شيء غيرها، وهذه الحرب ستفرز طرفا واحدا منتصرا، يضع بعدها حدا للفوضى وللسلاح المنتشر، وكذلك لصراع لا ينتهي لأجل التنافس على المناصب.
وإذا نشبت الحرب فالجيش الوطني الليبي جدير بأداء المهمة، وخصوصا مع الدعم الشعبي الكبير، فقط يحتاج للدعم الدولي، ليكون الجهة الوحيدة التي يجب أن تضبط هذا الانفلات. كما أن تركيا تسعى لتفرض نفوذا دائما، وهي لا تريد أيّ تسوية سياسية تكون نتيجتها في النهاية أن ترحل عن هذا البلد، فهي تبحث عن نفوذ قوي و طويل الأجل في البحر المتوسط ، وتعتمد تركيا في ليبيا على مجموعة من زعماء المليشيات لا تمثل لهم القيم الأخلاقية أو الوطنية أي شيء.
ربما الشيء المهم الذي لا يدركه الكثيرون، سواء في الأمم المتحدة، أو الدول الكبرى، أن طبيعة الليبي، خصوصاً في “برقة” شرق ليبيا ، ليسوا من البشر الذي يُمكن أن يتقبل أي أجنبي بسرعة، فما بالك أن يكون هذا الأجنبي يريد فرض نفوذا عليهم ، بأي شكل أو طريقة ، ومهما كانت قوته.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.