في السابع من مايو/ أيار الماضي “2020” تم الإعلان عن تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء في العراق، وسرعان ما استبشر العراقيون به وبحكومته خيراً، أملاً في إنهاء معاناتهم المستمرة، فلقد تعاقبت الحكومات في العراق بعد عام 2003، ومرت السنوات تباعاً، فلا جديد يذكر ولا قديم يُعاد، فقط أزمات موروثة كانت هي النتاج الوحيد لتلك الحكومات المتعاقبة التي خلّفت على أثر ذلك فساداً إستشرى في كافة أجهزة الدولة الهشة، وعمليات نهب متكررة لثروات البلاد المتهم بها النخبة المشاركة بالعملية السياسية، وأوقعت بدورها العراق تحت وطأة النفوذ الخارجي، فسيطرت إيران على عملية صناعة القرار في البلاد وتحكّم أتباعها بمفاصل الدولة.
وعلى الجانب الآخر لا زال هناك تواجد سياسي قوي للولايات المتحدة بالبلاد، يصاحبه تواجد ملحوظ للقوات الأمريكية في عدة قواعد عسكرية، إضافة للانتهاكات التركية الصارخة في شمال العراق وقصفها المتكرر بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا تنظيماً إرهابياً. ولا ننسى الإرهاب الآثم الذي دمّر مدناً بأكملها، وخرّب معالماً كانت شاهدة على التاريخ العتيد لحضارات بلاد الرافدين.هذا بخلاف أزمات الكهرباء والتعليم والقطاع الصحي المتهالك والذي كان جلياً حجم التردي الذي حل به مع جائحة “كورونا” وفشل الدولة العراقية وقطاعها الصحي حتى هذه اللحظة في السيطرة على هذا الوباء.
كل هذا وأكثر جعل على عاتق حكومة الكاظمي عبئاً ثقيلاً لا أتصور إمكانية وقدرة حكومة مؤقتة في بلد منهار كعراق ما بعد 2003 أن يتمكن على أقل تقدير من مجابهة تلك الأزمات بين عشية وضحاها، خاصة في التوقيت الصعب الذي جاءت به حكومة الكاظمي بعد التوترات المتلاحقة التي شهدتها الساحة السياسية العراقية، وتحديداً بعد الإحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد خاصة بغداد ومحافظات جنوب ووسط العراق، والتي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي “2019”، والتي على إثرها تقدّمت حكومة عادل عبد المهدي بإستقالتها بعد سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح، أعقب ذلك إعتذار كلاً من محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي عن تشكيل الحكومة، مما جعل الطريق ممهداً أمام الكاظمي لتولي منصب رئاسة الوزراء، ولكن الطريق أيضاً لم يكن أبداً مفروشاً بالورود.
فرغم طموحات الكاظمي بالإصلاح، إلا أن التحديات والضغوط المستمرة عليه وعلى حكومته تثقل كاهله، وعلى الرغم من ذلك فالرجل لم يتوانَ في خطواته الإصلاحية وقراراته التي لم تكن معهودة لدى سابقيه والتي بدورها لاقت إستياءً، وأثارت قلقاً لدى أصحاب النفوذ بالبلاد وعلى رأسهم طهران.
مما يطرح العديد من التساؤلات:
ما هي التحديات التي ستواجه الكاظمي خلال فترة توليه لرئاسة الوزراء؟
ما هي خطوات الكاظمي في طريقه نحو الإصلاح؟
هل يستطيع الكاظمي محاربة الفساد الذي طالما تجرّع من كأسه العراقيون مرارة الظلم والقهر على مدار سبعة عشر عاماً؟
هل لديه القدرة على إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار يخلّص من خلالها بغداد من قبضة النفوذ الأجنبي التي تقبع تحت وطأته منذ العام 2003؟
ما مدى قدرة حكومة الكاظمي على تقليص النفوذ الإيراني في العراق؟
هل لدى الحكومة العراقية قدرة الرد على الانتهاكات التركية للسيادة العراقية؟
مهمة محفوفة بالمخاطر
لا شك أن التوقيت الذي تولى فيه الكاظمي مقاليد السلطة بالبلاد كما ذكرنا يعد من أكثر اللحظات العصيبة في تاريخ العراق، فمع الأزمات الداخلية كالسلاح المنفلت في أيدي ميليشيات خارجة عن إطار القانون وتردي الخدمات بالعراق بشكل عام كالتعليم والكهرباء وغيرها، إضافة إلى هبوط أسعار النفط في بلد يعتمد علي النفط كمصدر دخل رئيسي إن لم يكن هو الوحيد، كما أن البلد لا زال يعاني حتى الآن من تبعات الإرهاب الداعشي، فمدن بأكملها مدمرة، وأغلب أهلها نازحين، ومع الجائحة التي يشهدها العالم المتعلقة بفيروس “كورونا”، فالعراق وبنيته الصحية المتردية أصبح من أكثر دول المنطقة حالياً تأثراً بهذا الفيروس.
ناهيك عن تحدٍّ كبيرآخر يواجه حكومة الكاظمي ويتمثل في الصراع المحتدم حالياً بين الولايات المتحدة وإيران ومخاوف العراقيين من أن يكون العراق ساحة لهذا الصراع والذي ظهرت بوادره مع مقتل قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني وأبو مهدي المهندس القيادي بالحشد الشعبي في بغداد إثر غارة أمريكية، وما تلا ذلك من قصف إيراني على قواعد عسكرية أمريكية بالعراق، إضافة إلى الإستهداف المستمر من أذرع إيران في العراق للمنطقة الخضراء حيث السفارة الأمريكية ببغداد باستخدام صواريخ الكاتيوشا.
إذن تعددت الأزمات والتحديات التي تواجه حكومة مصطفي الكاظمي المؤقتة ونستعرض على رأس هذه التحديات:
أولاً: إقامة علاقات إقليمية ودولية متوازنة
وهذا المبدأ يستند على ثلاثة ركائز رئيسية:
1-التخلص من التبعية السياسية لإيران:
منذ يومه الأول في منصبه كرئيس للوزراء أعلن الكاظمي أنه يبحث عن إقامة علاقات متوازنة، قائمة على المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وأنه سيسعى لتجسير الهوة مع دول الجوار، من دون أن تكون علاقته مع طرف على حساب آخر، وأن يبعد العراق عن تصفية الحسابات بين واشنطن وطهران، رغم أنه يدرك تماماً صعوبة فك الإرتباط نهائياً بإيران، نظراً للتغلغل الإيراني الكبير داخل مؤسسات الدولة العراقية، أضف إلى ذلك الأحزاب والميليشيات المسلحة التي تمولها طهران وتشرف عليها والتي تشكل حجر عثرة في وجه برنامج الكاظمي الإصلاحي خصوصاً بعد عمليات الإغتيال الأخيرة التي يحمّل الشعب العراقي مسؤوليتها للميليشيات، والتي كان أبرزها إغتيال المحلل السياسي والخبير بشؤون الجماعات الإرهابية هشام الهاشمي.
ولعل الدليل على ذلك ما حملته زيارة محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في طياتها من ضغط على الكاظمي كي لا يحيد عن المسار الذي تريده إيران باعتبار العراق عمقها الإستراتيجي وخصوصاً في التوقيت الذي كان يسبق زيارة الكاظمي للرياض والتي تم تأجيلها بعد ذلك بدواعي وعكة صحية للملك سلمان، وما صاحبها من صواريخ الكاتيوشا التي تطلقها باستمرار ميليشياتها في العراق على محيط المنطقة الخضراء حيث تتواجد السفارة الأمريكية مما يضع الكاظمي في موقف لا يحسد عليه قبل زيارته المرتقبة أيضاً لواشنطن.
على الرغم من ذلك اتخذ الكاظمي عدداً من القرارات في سبيل تقليص النفوذ الإيراني فلقد أعفى فالح الفياض من منصبه كرئيس لجهاز الأمن الوطني وهوالذي يشغل أيضاً منصب رئيس هيئة الحشد الشعبي المقربة لإيران وعيّن بدلاً عنه الفريق عبد الغني الأسدي، كما أعاد الكاظمي الفريق عبد الوهاب الساعدي وقام بترقيته إلى منصب رئيس جهاز مكافحة الإرهاب بعد أن تم تجميده وتجاهله في حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة.
وفي وقت سابق، وجه الكاظمي رسالة تهديد صريحة لأذرع إيران في العراق هدفها إستعادة هيبة الدولة العراقية بعد إعتقال قوة من جهاز مكافحة الإرهاب 19 مسلحاً تابعين لمنظمة حزب الله في العراق الموالية لإيران بحوزتهم منصات إطلاق صواريخ، وتعتبر كتائب حزب الله العراقية أحد الجهات التي تقف وراء إطلاق الصواريخ في المنطقة الخضراء، ولقد أثارت تلك الإعتقالات غضباً شديداً لدى قادة الحشد الشعبي.
وخلال زيارة الكاظمي لطهران أيضاً والتي تعد زيارته الرسمية الأولى كرئيس للوزراء، قد أكد على المبدأ المتمثل في رغبته بإقامة علاقة متوازنة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وألا تكون العلاقات مع طهران قائمة على التدخل في شؤون العراق الداخلية، مما يؤكد بلا أدنى شك اختلاف سياسات الكاظمي عن سابقيه وسعيه في تقليص التبعية السياسية لإيران.
2-استعادة ثقة واشنطن كبعد دولي يلتجأ إليه ضد التدخلات الخارجية
منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والبلاد تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وإجتماعية كبيرة، فلقد قامت واشنطن بحل مؤسسات الدولة التي كانت تتمتع بقدر كبير من المهنية وعلى رأسها الجيش العراقي السابق، وحل محلها مؤسسات مبنية على المحاصصة الطائفية، أوضحت بشكل قاطع مدى الخلل الذي يحيط بعملية صناعة القرار في البيت الأبيض حيث أن ذلك أدى لتسليم العراق على طبق من ذهب لخصمها الأبرز في المنطقة وهي إيران.
واشنطن حالياً بدأت تتدارك الخطأ وأصبحت واعية لخطورة الدور الإيراني الذي بدأ بسحب البساط منها بالمنطقة، فبدأت تعمل على الحد من نفوذ إيران وأذرعها المسلحة بالعراق وكانت أول من رحب بوصول الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء وطلبت من حلفائها في الخليج، دعم حكومته.
الكاظمي بدوره ينظر للولايات المتحدة كحليف أساسي للعراق ويدرك تماماً مدى أهمية إستغلال ثقة واشنطن لمساعدته في تقليص النفوذ الإيراني بالعراق وبدأ يعمل أيضاً على تقريب وجهات النظر مع حلفائها في المنطقة وخصوصاً دول الخليج وعلى رأسهم السعودية التي كانت على رأس قائمة زياراته الخارجية كرئيس للوزراء والتي تأجلت بسبب دواعي الوعكة الصحية للملك سلمان.
3-وقف الإنتهاكات التركية في شمال العراق
لا زالت الإنتهاكات التركية للسيادة العراقية مستمرة، فمع القصف المتكرر الذي كان بحسب ما تدعيه تركيا لإستهداف مسلحي حزب العمال الكردستاني والتي تصنفه تركيا كجماعة إرهابية، إضافة إلى تواجدها العسكري في الشمال العراقي والذي لم يتم بناءً على أمر من الحكومة العراقية ولا حتى بالتنسيق معها وهو ما يعد إنتهاكاً صريحاً للسيادة العراقية.
لم تكتفِ تركيا بهذا القدر، فقبل أيام طال القصف التركي عناصر من الجيش العراقي وأدى إلى مقتل ضابطين من قوات حرس الحدود وسائقمها وترتب على ذلك قيام الحكومة العراقية بإلغاء زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى بغداد، فيما استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير التركي في بغداد وسلمته مذكرة إحتجاج شديدة اللهجة لما تقوم به بلاده من إعتداءات.
قد يرجع أحد أسباب التصعيد التركي إلى إعلان الكاظمي عن عزمه السيطرة على المعابر الحدودية وبالأخص مع إيران وتركيا، فهما بالتحديد يستغلان تلك المعابر في عمليات التهريب وسلب أموال العراق، وبالتالي قد تكون تركيا خططت لهذه العملية لإستفزاز الكاظمي وإحراجه أمام الرأي العام.
بالنسبة للكاظمي هو يعي تماماً بأن العراق يمر بظروف سياسية واقتصادية صعبة، ولا يمكن للعراق الرد عسكرياً على دولة عضو في حلف الناتو، لكنه قد يعوّل في الفترة القادمة على الاستفادة من المكاسب الداخلية والخارجية التي حققها خلال فترة قصيرة، لممارسة ضغوط دولية قوية على تركيا عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مستغلاً علاقة أنقرة المتوترة في الآونة الأخيرة مع واشنطن.
ثانياً: الحرب على الفساد:
ملف مكافحة الفساد يعد من أبرز التحديات التي تواجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي أعلن سعيه إلى شن ما أسماها “الحرب” ضد الفساد المستشري في قطاعات الدولة، ومنها الوزارات التي باتت تنفذ أجندات خاصة بالأحزاب المرتبطة ببعض المافيات واللجان الاقتصادية سواء في مجلس النواب أم الحكومة، بحسب تصريحاته الصحفية.
وفي السياق ذاته، أعلن عضو المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، سعيد ياسين موسى، عن حجم الأموال المنهوبة من الخزانة العراقية منذ عام 2006 وحتى الآن، موجهاً أصابع الإتهام نحو قوى وجهات سياسية بالوقوف وراء عمليات الإختلاس والتلاعب بالمال العام.
وذكر موسى في تصريحات صحفية، إن حجم ما تم سرقته من أموال البلاد بعد عام 2006 ولغاية الآن يتجاوز 360 مليار دولار، يرجع ذلك إلى التباطؤ والتلكؤ وعدم تنفيذ أكثر من 10 آلاف عقد استثماري.[i]
ووضح أن إزدواج رواتب موظفي الدولة وعمليات تهريب النفط وعمليات التهريب في المنافذ الحدودية وعمليات غسيل الأموال تقف ورائها أطراف سياسية ساهمت في إهدار المال العام خلال الأعوام الماضية.
الجدير بالذكر، أن منظمة الشفافية العالمية في تقرير سنوي لها نشر نهاية العام الماضي “2019”، أن العراق يحتل المرتبة السادسة عربياً والـ 13 عالمياً بـ 168 نقطة بين أكثر دول العالم فساداً متقدماً على فنزويلا وبورندي، في حين جاءت الصومال وسوريا وجنوب السودان واليمن وكوريا الشمالية والسودان بالمراتب الأعلى بالفساد. الكاظمي رغم وعوده المتكررة بمحاربة الفساد إلا أن ذلك ليس بالأمر الهين تنفيذه فهو يتطلب:
أولاً: أجهزة مخابرات شجاعة وقوية ومستقلة تحدد بؤر الفساد ونشاطات المافيات.
ثانياً: تواجد قضاء نزيه وليس خاضعاً لولاءات حزبية وتوفر له الحماية الكاملة.
ثالثاً: تشكيلات أمنية قوية ومجهزة بمعدات حديثة وسريعة وولائها للوطن وليس لأجندات خارجية.
رابعاً: حصر الصفقات الإستثمارية والمقاولات بيد مجلس الإعمار وتحت إشراف رئيس الوزراء.
خامساً: إشاعة ثقافة النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد وكشف أدواته وعوامله.
سادساً: التوجه للأتمتة كبديل للروتين الإداري الذي يرهق ميزانية الدولة.
سابعاً: إفساح المجال أمام القطاع الخاص ليلعب دوراً حقيقاً في الاقتصاد.
كل هذا وأكثر يجب توافره أولاً إذا ما أراد الكاظمي حقا أن يتخذ خطوات فعلية في سبيل مكافحة الفساد، وغير هذا أعتقد أن الطريق سيكون شاق أمام الكاظمي لصعوبة إيجاد حلول جذرية لأزمة عتيقة قاربت على إتمام عقدها الثاني في العراق.
ثالثاً: إجراء إنتخابات مبكرة تقوم على النزاهة والشفافية
بكل تأكيد، أزمة الإنتخابات تشكل هاجساً كبيراً لدى الكاظمي وحكومته، لكن الكاظمي أخذ بزمام المبادرة وأعلن السادس من يونيو/ حزيران المقبل موعداً لإجراء الإنتخابات النيابية المبكرة وتعهد الكاظمي أيضاً أن تجري هذه الانتخابات تحت إشراف مراقبين دوليين، بلا شك وضع هذا القرار الأحزاب المعارضة للكاظمي وأعضاء مجلس النواب العراقي في موقف حرج، خاصة بعد مطالباتهم المستمرة من الحكومة العراقية بتحديد موعد لإنتخابات مبكرة، وهو ما قام به الكاظمي ليثبت عكس ما إدّعاه معارضوه بأنه يطمع في البقاء في السلطة.
بالرغم من ذلك، فإعلان موعد لانتخابات مبكرة يضع على الحكومة مسؤولية كبيرة، لوجود جوانب إجرائية خاصة بالعملية الإنتخابية لا تزال محل جدال كبير على الساحة ويعد أهمها:
1-قانون الانتخابات: على الرغم من الموافقة البرلمانية على قانون الانتخابات في ديسمبر الماضي، إلا أن القانون لم يُرفع لرئيس الجمهورية بدعوى الانتهاء من تحديد الدوائر الانتخابية وتسمياتها، وهو المتغير الذي يعد ركيزة أساسية في القانون الجديد.
لكن على ما يبدو، فإن تلك الخطوة بدأت تشهد تراجعاً بدعوى أنها تمت تحت ضغوط التظاهرات الشعبية التي شهدها الشارع والتي أطاحت بالحكومة السابقة، كما أنها لم تحظَ بتأييد كامل من الكتلة الكردية والقوى السنية في البرلمان. في الوقت ذاته، هناك اتجاه يشير إلى احتمال تقديم القوى السياسية المعارضة للكاظمي تنازلات تحديداً للقوي الكردية لحل هذه الأزمة، وبالتالي قد يكتمل التوافق حول القانون ويرفع للتصديق.
2-مفوضية الإنتخابات: معضلة أخرى تتعلق بالإطار الهيكلي الخاص بمكاتب المفوضية الإدارية التسعة التي يفترض تشكيلها وفقاً للقانون، وتعتبر محل جدال بين القوى السياسية، فالبعض منها يجادل بشأن آلية الاختيار لمن سيقومون على هذه العملية، وهناك من يجادل بخصوص طريقة الفرز والنتائج، وطرف ثالث يجادل بخصوص التوقيت المناسب للإنتهاء من تلك الاستعدادات ، وهي المواقف التي رفضتها تماماً المفوضية، باعتبارأن هناك أسس قانونية تحكم هذه الإجراءات التي من المفترض أن يتم إتباعها بعيداً عن التسييس والمحاصصة، وقطعت الطريق على تلك الحجج بأحقية البرلمان في المسألة الخاصة بتعييناتها.
3-التباينات حول موعد الإنتخابات: بدأ الجدال من خلال الإقتراح الذي تقدم به رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بإجراء تصويت على حل البرلمان، وهي الدعوة التي تلقاها الرئيس برهم صالح والذي أشار بدوره إلى أنه في حالة التصويت على حل البرلمان ستكون هناك فرصة تقدر بشهرين لإجراء انتخابات جديدة، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن هناك حاجة لـ 11 شهراً أخرى محدداً موعد 6 يونيو 2021 لإجراء الانتخابات[ii]، بناءً على المشاورات مع المفوضية التي تحتاج وفق مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات حسين الهنداوي، إلى 9 أشهر تقريباً لإنجاز تلك المهمة، وبالتالي أصبح هناك اتجاهان أحدهما مبكر، والآخر “أبكر” وهو ما طالب به الحلبوسي رئيس البرلمان بإجراء انتخابات أبكر عن ما تم تحديده من قبل رئيس الوزراء في السادس من يونيو/حزيران من العام القادم[iii].
وعلى ما يبدو، فإن الرئيس برهم صالح ألقى الكرة في ملعب رئيس الوزراء لتحديد الإجراءات المطلوبة، لكن ما سيحسم الموقف، هو قرار البرلمان خلال الأيام المقبلة، وهذا القرار لن يكون فقط على التصويت الخاص بالحل وإنما أيضاً على إقرار قانون الانتخابات وتمريره لرئيس الجمهورية للتصديق عليه.
خطوات الكاظمي على طريق الإصلاح
1-قطع مرتبات محتجزي رفحاء
أصدرت حكومة الكاظمي في 30 مايو/ أيار الماضي “2020” حزمة من القرارات لمواجهة الأزمة الخانقة الناجمة عن انخفاض أسعار النفط التي رافقتها جائحة “كورونا” ومن بينها تخفيض رواتب الموظفين الذين يتقاضون مبالغ ضخمة، ومعالجة ازدواج الرواتب، والرواتب التقاعدية لمحتجزي رفحاء. وامتيازات رفحاء هي رواتب يتم منحها لمعارضين لجأوا إلى السعودية فوضعتهم في مخيم بمدينة رفحاء بمحاذاة حدودها مع العراق، بعد ما يعرف”بالانتفاضة الشعبانية” ضد نظام صدام حسين عام 1991. وبموجب قانون رفحاء الذي أقره البرلمان العراقي عام 2006 يحصل كل من أقام بمخيم رفحاء، ولو لمدة أسبوع واحد، هم وعائلاتهم، على مرتبات شهرية ثابتة تشمل حتى من كان رضيعاً آنذاك، وبواقع مليون و200 ألف دينار شهرياً أي ما يعادل 1000 دولار. وكذلك يحصلون على علاج وسفر ودراسة مجانية على نفقة مؤسسة السجناء السياسيين، ويبلغ مجموع نفقات ما يترتب عليه هذا القانون سنوياً أكثر من 40 مليار دينار (35 مليون دولار تقريباً) وامتيازات أخرى تتمثل بمنحهم قطع أراضٍ ووظائف لأبنائهم[iv].
حكومة الكاظمي قررت إيقاف ازدواج الرواتب والمستحقات واقتصارها على شخص واحد فقط لا يتجاوز راتبه مليون دينار (حوالي 800 دولار شهرياً) وأن يكون من سكان العراق ورباً لأسرة ولا يوجد لديه أي راتب آخر من الدولة.
2-نشر قوات عسكرية كاملة الصلاحيات على المنافذ الحدودية
أعلن الكاظمي عن إطلاق حملة جديدة ضد الفساد في النقاط الجمركية الحدودية، قائلاً إن البلاد خسرت ملايين الدولارات بسبب سوء فرض الضرائب على السلع المستوردة. ووعد الكاظمي بإجراء إصلاحات على “ثلاث مراحل”، ولا سيما من خلال استبدال قوات الأمن العاملة في المراكز الحدودية، ومكننة البيانات والمبادلات المالية. والنقاط المعنية بالحملة تشمل المنافذ البحرية على الخليج في أم قصر الشمالي، وأم قصر الجنوبي، وأم قصر الأوسط، وخور الزبير، بالإضافة إلى المنافذ البرية مع إيران في الشلامجة وأبو فلوس والشيب وزرباطية وبدرة والمنذرية. كما أنها تشمل أيضاً منفذ سفوان مع الكويت وطريبيل مع الأردن والقائم مع سوريا، وعرعر مع السعودية.
هذه الخطوة لاقت ترحيباً كبيراً من جموع الشعب العراقي خاصة بسبب عمليات التهريب والنهب التي طالت البلاد بسبب الفساد المستشري في منافذ البلاد الحدودية وبالتحديد مع الجار الإيراني، وظهر تنفيذ الكاظمي جلياً عندما فرض علي اسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني دخول العراق بتأشيرة رسمية من وزارة الخارجية العراقية، وهو ما لم يكن يحدث سابقاً، فدائماً ما كان المسؤولون الإيرانيون يدخلون لبغداد في زيارات غير معلنة وبدون تأشيرات رسمية.
3-إنهاء زمن مديري المكاتب في الوزارات العراقية
يسعى الكاظمي للتخلص من أعباء وظيفة مديري مكاتب الوزارات والتي تمثل حملاً ثقيلاً على الدولة العراقية، وتعد أحد أشكال العمل البيروقراطي في الدولة، وهذه الخطوة من شأنها أن توفر مبالغ كبيرة كانت تستولي عليها إدارات المكاتب بلا جدوى، ويعيد للوزارات هيبتها المفقودة في ظل وجود مديري المكاتب وما سيسمح بدوره لفتح مجال أوسع للعمل وتهيئة الأجواء المناسبة لتوفير إجراءات تنفيذية مرنة افتقدها العراق لسنوات طوال.
4-كشف الذمم المالية للوزراء
في خطوة أخرى غير معهودة، قام رئيس الوزراء مصطفي الكاظمي بالكشف عن ذمته المالية في التاسع من آب/ أغسطس الحالي، فلقد أعلنت هيئة النزاهة العراقية أن الكاظمي أفصح عن ذمته المالية للعام 2020، وأضافت أيضاً أنها تلقت إستمارة كشف الذمة المالية للعام الجاري الخاصة برئيس مجلس الوزراء، ويبدو أن خطوة الكاظمي دفعت عدد من وزرائه ليحذو حذوه ففي اليوم التالي، أعلنت دائرة الوقاية بالهيئة في بيان لها أنها ” تلقت إستمارات كشف الذمة المالية للعام الجاري الخاصة بوزير التعليم العالي والبحث العلمي نبيل كاظم عبد الصاحب، ووزير الكهرباء ماجد مهدي حنتوش، ووزير التربية علي حميد مخلف ، بالإضافة لمدير مكتب رئيس الوزراء رائد جوحي حمادي”.
كما أعلنت في بيانٍ ثانٍ أنها تلقت إستمارة كشف الذمة المالية للعام الجاري الخاصة بوزير الداخلية عثمان علي فرهود. وما زاد من أهمية هذه الخطوة، أنه ومنذ إقرار هذا القانون في عام 2011 والقوانين التي تتشابه معه في نفس المهام ما قبل هذا التاريخ، لم يقدم أي مسؤول كشفاً بذمته المالية.
هذا القانون الذي يقضي بتقديم المسؤول كشفاً بذمته المالية خلال شهر من تسلمه الوظيفة وبخلاف ذلك سيكون أمام القضاء وإلحاق العقوبات به. وكانت هيئة النزاهة الاتحادية العراقية، قد أفصحت نهاية العام المنصرم عن تفاصيل التعديل الأول لقانونها رقم /30/ لسنة 2011، بعد إقرار مجلس النواب التعديل، طبقا لأحكام البند أولا من المادة /61/ والبند ثالثاً من المادة /73/ من الدستور.
وتنص المادة (16/ أولاً/ ج)، على إلزام كل من (رئيس ونواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ومن بدرجتهم)، فضلاً عن غيرهم ممن يشغل إحدى الوظائف والمناصب الرسمية كما تضمنته المادة في فقراتها الأخرى، بتقديم إقرار عن ذممهم المالية.[v] الإجراءات تشمل أيضاً كل من تولى وظيفة محددة بقانون هيئة النزاهة من مدير عام فما فوق وضباط قوى الأمن من رتبة مقدم فما فوق والهيئات المستقلة.
ملاحظات ختامية:
1-مصطفى الكاظمي لم يأتِ بالطريقة التقليدية المعروفة، والتي إعتادات عليها القوى السياسية والحزبية، والقائمة على أساس التوافق الحزبي والمحاصصة الطائفية، وإختيار رئيس الحكومة من الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية، بل جاء نتيجة لحراك شعبي يطالب بالتخلص من فساد النخبة السياسية الحاكمة، وهو ما يضع الكاظمي تحت ضغوط كبيرة من النخبة السياسية في البلاد، والتي تمتلك أيضاً فصائل مسلحة موالية لها، وهو ما يتنافى مع أهداف الكاظمي في فرض سيادة الدولة وحصر السلاح بيدها.
2-الكاظمي في الوقت الراهن، لن يستطيع تكثيف الحملة على الفساد والميليشيات، في ظل حاجته لدعم دولي وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لسياساته، بسبب إنشغال البلاد في تلك الفترة بالانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر لها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من هذ العام، فالرئيس ترامب حالياً مقيد ولن يكون بإستطاعته اتخاذ قرارات على الصعيد الخارجي.
3-تريد الفصائل المسلحة الموالية لإيران، إفشال الحوار القائم الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وحكومة الكاظمي، بشتى الطرق سواء باستهداف المنشآت والمقرات الدبلوماسية الأمريكية، وما تشهده المنطقة الخضراء حيث مقر السفارة الأمريكية في بغداد خير دليل على ذلك، وفي المقابل تريد أن تبقي العراق ضمن المحور الذي تسيطر عليه إيران في المنطقة سواء في سوريا أو في اليمن أو في لبنان.
4-إيران وأذرعها في العراق بما في ذلك كتل نيابية في البرلمان العراقي يضغطون بكل قوة على الكاظمي، من أجل مناقشة ملف خروج القوات الأمريكية من القواعد العسكرية المتواجدة بها في العراق، في المقابل يماطل الكاظمي لأنه يعي تماماً أن بقاء القوات الأمريكية هو الضمان الوحيد للبلاد كي لا تقع فريسة في يد سيطرة إيران وميليشياتها، وهو أيضاً ما لن تجازف به أمريكا لأنها تدرك خطورة الموقف، ولا تريد أن تنفرد إيران بالعراق، كما انفردت بسوريا بالتحالف مع شريكها الروسي.
5-من غير المتوقع، أن تستطيع حكومة الكاظمي من أن تتخلص تماماً من النفوذ الإيراني بالعراق، بسبب الحضور القوي للأحزاب السياسية الموالية لها والفصائل المسلحة المرتبطة بها خاصة أن حكومته مقيدة بحكم أنها جاءت كحكومة مؤقتة غير منتخبة، وإنما بامكان الكاظمي تقليص هذا النفوذ من خلال الدعم الأمريكي، وفتح خطوط تواصل مع دول الخليج وعلى رأسهم السعودية.
6-سيواجه الكاظمي تحدياً كبيراً، في إقامة انتخابات مبكرة بسبب عدم توافق الكتل السياسية حتى الآن على قانون الانتخابات، ومن جهة أخرى المطالب الشعبية المستمرة بتوفير فرصة أكبر للشباب بالتواجد، والخلاف الذي لا زال قائماً حول هيكل مفوضية الإنتخابات ومكاتبها الإدارية التسعة.
7-الإنتهاكات التركية الأخيرة في شمال البلاد، تمثل ورقة ضغط كبيرة من القوى السياسية على الكاظمي، في محاولة لإعاقته عن الحملات التي أطلقها لحصر السلاح بيد الدولة والحرب علي الفساد، في التوقيت ذاته لا يستطيع العراق بظروفه الحالية أن يرد عسكرياً على العدوان التركي، ولكن سينتظر الكاظمي ما ستؤول إليه الانتخابات الأمريكية القادمة، في محاولة منه أن يستغل إصلاحاته في البلاد وسياساته الحيادية البعيدة عن العباءة الإيرانية في كسب ثقة واشنطن لتدعمه ضد الانتهاكات التركية، وقد يحاول أيضاً إثارة تلك القضية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إذا استمر التصعيد التركي.
خاص وكالة “رياليست” – اسلام عبد المجيد عيد ،باحث سياسي.
قائمة المراجع
[i] https://al-ain.com/article/iraqi-experts-financial-receivables-corruption
[ii] https://arabic.sputniknews.com/arab_world/202007311046158656-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B8%D9%85%D9%8A-%D9%87%D8%AF%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%AA%D9%83%D9%84%D9%8A%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D8%B6%D9%89/
[iii] http://arabic.news.cn/2020-08/01/c_139256940.htm
[iv] https://www.alhurra.com/arabic-and-international/2020/06/23/%D9%85%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%B2%D9%88-%D8%B1%D9%81%D8%AD%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%87%D9%85%D8%9F-%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AE%D8%A8-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D9%87%D9%85%D8%9F
[v] https://iraq.shafaqna.com/AR/187537/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B8%D9%85%D9%8A-%D9%88%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%83%D8%AA%D8%A8%D9%87-%D9%88-4-%D9%88%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%8A%D9%81%D8%B5%D8%AD%D9%88%D9%86-%D8%B9%D9%86/